قلت لروحي

قلْتُ لِرُوحي .. أيُّهذا الشَّرِيدْ

ماذا تُلاقي بعد هذى الحياةْ؟!

عِشْتَ – وما تَهْدَأُ – عَيْشَ الحَرِيدْ

لم تَرْضَ بالرَّوْضِ . ولا بالفُلاةْ!

حارَبَكَ النَّاسُ فكُنْتَ العَنِيدْ

ولم تَلُذْ مِن حَرْبِهمْ بالنَّجاةْ!

أَنِفْتَ أَنْ تَحْيا حَياةَ العَبيدْ

ولو تَحَدَّتْك الخُطُوبُ العُتاةْ!

لم تَجْنِ مِمَّا قد بَذّرْتَ الحَصِيدْ

كأنَّما أَرْضُكَ كانت رُفاتْ!

***

وكم شَرَعْتَ القَلَمَ الصَّارِما

وما تَخاذَلْتَ فَعَزَّ المِدادْ!

فَعُدْتَ تَرْثِي رَبْعَكَ النَّائِما

لا باليراعِ الفَذِّ بل بالفؤادْ

هذا الفؤادُ المنزوي راغماً

يَنْشُدُ في العُزْلَةِ بَعْضَ الضِّمادْ!

يَنْشُدُ لكنْ يَسْتَوي قائِماً.. رَغْمَ

الشجا.. رَغْمَ النَّوى والبعادْ!

لأَنَّه يَأْبَى لَذيذَ الكرى..

وَيرْتَضِي مُنْتَشِياً بالسُّهادْ!

***

العالَمُ اسْتَشْرَى سوى بَعْضهِ

واسْتَسْلَم الأَرْنَبُ للضَّيْغَم..!

واسْتَيْقَظَ النائمُ من غمْضِهِ

على زئِيرٍ ظامِىءٍ للدَّمِ..!

يَخْشاهُ لا يقُوى على رَفْضِهِ

فهو وسيفٌ غَيْرُ مُسْتَعصِمَ!

يُمْعِنُ منْ بلْواهُ في رَكْضِهِ

من جَنَفَ يَرْميهِ في مأتَمِ

رَنا بِتَهْيامٍ إلى أَرْضِهِ

ثم جلا من خَشْيَةِ الأَرْقَمِ

***

فهل سأَجْلو أَنا. أم أنْبَري

بِكُلِّ ظَلاَّم شَدِيد المِراسْ؟!

بالقَلَمَ الجبَّارِ.. بالمِنبرِ

حتى أرى الأَجمةَ مِثْلَ الكِناسْ؟!

لا أَرْهَبُ البَغْيَ. ولا أَمْتَرِي

فيه ولو لاقَيْتُ كُلَّ ابْتِئاسْ؟!

يا لَيْتَني هذا.. فما اشتري

مَجْدِي بِذُلٍّ مُتْرَفٍ. وانْتِكاسْ؟!

بل أُنْقِذُ المِنْقارَ مِن مِنْسَرٍ

فلا يَخافُ الضَّعْفُ أيَّ افْتِراس؟!

***

إنَّ جِراحي نازِفاتٌ على

عَجْزي أَنا الطَّامِحُ لِلمكْرماتْ!

أَرْجو فلا أَقْوى.. فأَصْبُو إلى

أَنْ أُصْبحَ الأَقْوى على النَّائِباتْ!

أَنْ أُصَبِّحَ الرَّوْضَ. فإنَّ الفلا

تَبْخَلُ.. أمَّا الرَّوْضُ فهو الهِباتُ!

يُعْطي. ولا يَبْخَلُ.. مِمَّا حَلا

من ثَمَرٍ يُرْضِي الطَّوى. أو فُراتْ!

ومِن زَهُورٍ نَفْحُها كالطِّلى

لِكن بلا غَوْلٍ بِها .. أُوْشَكاة!

***

يا آهَتي .. لو كنْتِ .. دُوَن اليدِ

دُوَن الفَمِ المِنْطيق . دُوَن القَلَمْ!

بَلْسَم يَوْمٍ نازِفٍ .. أَوْغَدِ

يشفيه مما مَسَّهُ مِن أَلَمْ!

نُصْرَةَ مَظْلومٍ .. على المُعْتَدَى

صَفْعَةَ مَوْثُورٍ على ما اجْتَرمْ!

يَبُوءُ بالخِزْيِ بها.. يفتدي

هَوانَهُ منها.. يُطِيلُ النَّدَمْ

لَكُنْتُ ذا فَضْلٍ وذا سُؤددِ

وكنْتُ أَجْنِي الوَرْدَ بَعد السَّلَمْ!

***

وكانتِ الدُّنْيا.. وكانَ الورى

أَدْنَى إلى السَّعْدَ بما يَفْعَلُون!

لا يَسْتَوِي الطُّغْيانُ فوق الثَّرى

إِلاَّ قَليلاً.. ثم يَلْقَى المَنُون!

ما نحن إلاَّ عالَمٌ مُفْتَرى

عليهِ من رَهْطٍ شَدِيدِ الجُنُونْ!

لكنْ سَيَطْوِيهِ رَهِيبُ السُّرى

طيّاً.. ويَبْقى عِبْرةً لِلْقُرون!