أسبقها إلى الظلام وأندم

غيرَ هذا كانت وصيَّةُ العابرِ إلى سوادِه،

كلامٌ غيرُ مسلَّح يمرُّ أمام عينيَّ،

دافعاً عربةً محمَّلة بفتاتِ الساعاتِ إلى الْهَوَاْءِ المالح.

كلُّ هذا البَرِيْدِ لإخراجِ المحروز إلى عيدٍ بلا قبَّعة،

بينما نايٌ قريبٌ يمشِّطُ جنونَ حياتي، ويستدرجُ حيَّنَا القديمَ عبْرَ جسْرِ حياتي.

*

الموسيقى سبيٌ محرَّرٌ،

والطَّريقُ فكرةُ المهْزوم

رجالٌ عديدونَ يشاغبونَ عزلةَ الأجْراسِ،

الأيدي في الجيوب، ويعبرونَ إلى حياتهم.

أتركها عندَ أوَّلِ نفقٍ في السَمَاْءِ،

وأحنُّ إليها بأسودٍ من ندمٍ،

رجالٌ عديدونَ يجلسونَ معي، تاركينَ حياتَهم

تناقشُ الماضي خلفَ سكَّةِ الوقْت.

*

إنَّكم تعانقونَ ظلالَ كلماتي،

كلماتي في المصَّح، منذ سقطتم عنْدَ سياجِها المظلم.

منذ أن وخزَتْ عينايَ غابةَ النَّهار!

إلاَّ ظلامَ مجدي،

غيِّروا أسْمَاْءكُمْ وادخلوا مواريثَ الأمواتِ باسمي،

إلاَّ ظلامَ مجدي،

لكم سوادُها الثرثار، رائحةُ كلماتي في حوارٍ ما، خطئي في الإيقاعِ بلحظةٍ سوداءَ، لوعةُ الأجراس في غابة جريحةٍ، طريقُ بَرِيْديْ المحرَّف وكلُّ ما ترتكبه النساء،

إلاَّ ظلامَ مجدي.

*

وبما أنَّ السَمَاْءَ عزلاءُ من حيواناتها،

أسلحةُ اللذةِ تنبتُ أبعدَ من شراسةِ جسمك.

كذلك المقاطعات الَّتِيْ تغتال فاتحيها، ترسل شكَّها، في المناديلِ والحروفِ الَّتِيْ تسهرُ مع متعةِ الكيمياء،

خطآن معلَّقانِ على فضلات الْهَوَاْءِ،

هو كلُّ ما ترثُ المربيَّةُ الجميلةُ من أمجاد حياتي،

أما البرقُ الَّذِيْ يستدرجُ الحصان إلى ربيعٍ جائعٍ فليسَ لي.

ليس لي ذلك الغموضُ في إيماءاتِ السطوحِ الواطئة، والبيوت القريبة من طريق الحافلات، وعربات النهار الَّتِيْ تجرَّها الذكرى.

ليس لي حُزنُ السرادقات المنصوبة في نهارات حياتي.

ليس لي حديثُ النِّساء قربَ صفير المطاحن بانتظار أن يشمَّ الطحَّانُ جمرهنَّ.

*

فما نفع القسوةُ العاطلة؟

ما نفعُ جسر الكلمات بينَ خراب الجسدِ والوردةِ الراكضة؟

أعضاء حريَّتي لا تكفي لاستعباد غيابك،

سياجٌ من الذكريات كانَ يدفعُ ناري بعيداً عنْ بياضِ أحْلاْمِك،

حدائقي عاجزةٌ عن انتظار صهيل المداخن،

أينّ أنيمُ أحْلاْميْ؟

*

مَنْ سرقَ غطاءَ الفكْرة، لم يدثِّر الصرخَة بالكناية،

فكانَ أن تكاثرَ الخّرّسُ العالي ومزَّقَ الْهَوَاْءَ،

أنفاقُ طقوسي لا تكفي،

والكلامُ يأكلُ يدَ الفضاءِ،

أينّ أنيمُ أحْلاْميْ.

*

كلَّما فتحْتُ خزانةَ الملابسِ ـ كي أستعدَّ للخروج ـ

طالعتني أشياءُ الميِّتينَ: صورُهم، بَرِيْدِهِمْ،….

هناكَ برقُ شاسعٌ يهدمُ ما أتممْتُ من ظلامٍ شاهقٍ،

مطارقُ جريحة تدافعُ عن كلماتها ضدِّي،

فضاءٌ مختومٌ بالأسئلةِ، يفرُّ من بياضِ نسياني.

أينَ أنيمُ أحْلاْميْ؟

*

الشمس تخمشُ نوافذَ البناياتِ، وتفكِّكُ أزرارَها في مناسبة لتجريب النظارة على عيون النَّهار.

الحيطانُ كلامٌ خاصٌ بينَ أخرسينِ يصغيان فجأةً لصمتي.

بلذة ساخنة، أنقلُ خطايَ على سوادِ الطريقِ،

مراقباً التنوراتِ السُّوْدَ، الأحذيةَ السُّوْدَ، الحقائبَ السُّوْدَ، القمصانَ السُّوْدَ، الجواربَ السُّوْدَ، ومنديلَ الرأسِ الأبيض.

بهذا الغيابِ كلِّه أكُبرُ بينَ نساء بعد الظهر.

نساء بعد الظهر مواعيد آلام الأسنان،

أو مطرٌ في هواءٍ شرسٍ،

نساءُ بعدَ الظُّهر صيغةٌ سريعة لأخطائي المؤجلَّة.

*

يكبُرُ الكلامُ المرحَّلُ من مقاعدِ الربيعِ إلى هاويةِ المُتعة،

وأنا أنقِّطُ الْهَوَاْءَ المقوَّسَ على ظلامِ مجدي،

بدبابيسَ من ندمٍ وذكريات،

ويضغطُ الربيعُ عليَّ كثيراً،

يوجزُ ملامحي، إزاءَ فجْرٍ ينهشُ صمتاً هارباً من ظلامي.

عالمٌ أرملُ يُلخِّصُ النَّهارَ،

بالفرارِ من سعادةٍ تشاكسُ الدمَ المسفوحَ من نوافذِ الباصات.

عالمٌ يبلِّغُ الأصفادَ إلى المساء العالي.

*

عيني بَرِيْدٍ معلنٌ على لسانِ يمزِّقُ الكلمات،

عيني قطاراتٌ تُنْزلُ الأعيادَ قربَ سَمَاْءٍ تدافعُ عن زُهُوْرٍ تُطيلُ أظافرَها،

بينما خيَّاطةٌ في الثلاثين، تمحو مشاغلها بالإبرةِ، ولسانُها يفتحُ صُوْرَةَ الطَّقسَ.

*

موتي تحتَ إبطي، ويدي توزِّعُ الزُهُوْرَ وتعزِّي حياتي.

أكتُبُ كلمةً، وأحدسُ موتي ماكثاً في الكلمة التالية.

[الكتابة إعادة للمستقبل.]

*

نُكسِّرُ الكلمات العالية، من أجل أن نصطادَ فخَّاً دافئاً أنيمُ به غايتي العائدة من فواتها.

أخرجوا معي كي نطاردَ شمس الوجدانِ المعْتم،

[ الكلماتُ أيضاً، حصى نُردي به غرابَ الأسئلة]

*

رائحةُ برقٍ عاطلٍ، أشمُّها وأنا ممدَّدُ في قاربِ اللحظةِ المملَّة،

اللحظةِ الَّتِيْ تُخِيْطُ قَمِيْصَ الأبد على جسدي،

قطِّعوها جيِّداً قبْلَ أنْ تحتجَّ على طفْرةِ عماي.

*

ما حياتي إنْ لم أصفْ غيابَها؟

إنْ لم أمسحْ دمَ الذكرى، من خناجرِ الحاضرِ، براياتٍ بيضاء؟

معزولٌ عن بَرِيْدِ نومِك وهذا انتظاري الحالمُ،

مكنيني يا فصولُ من سياجكِ الَّذِيْ يطاردُ أبناءَ صحرائي الذهبيَّةِ.

حشِّدي المصائدَ يا نهاراتِ عصياني، لأطيحَ بالأمطارِ الَّتِيْ توجزُ فوضى الغيومِ النائمةِ على عجل.

يا بداياتُ هل ظلامٌ يداكِ لأعرفَ جثَّتي؟

*

مِنْ عانسٍ تطْحَنُ الغيومَ إلى آخرِ ذلك!

أسئلتي العالية، والتامَّة أيضاً

أجتازها، لتوقفَ الملحقاتِ عن الانتشار،

بأسناني العاطلة أمزِّقُ البرْقَ الَّذِيْ يشتبكُ مع أخطائي، بينما أتورَّطُ في غابةِ اللحْظة.

*

أكفانٌ سوداءُ، بَرِيْدٌ أسودُ، ومعارفُ معْتِمةٌ تنالُ جهلاً كافياً

وأشخاصٌ ملفَّقونَ، وحِرَفيِّونَ يتصلونَ بالعناصر المفقودة في مطرٍ شاق.

أُنزلُ من توبةٍ أعلى الأخطاء،

إلى اعترافٍ يكفي لإقامةِ سهْرةٍ معَ مَنْ لمْ أعْرفهم.

*

حياتي مشيَّدةٌ على عَجَلٍ، سريعٌ في مغادرةِ الأخبارِ المسيَّجةِ بالأمكنةِ،

أنبشُ قبْرَ السَمَاْءِ بظلامي العاصي،

وأسندُ قامةَ الصَّمتِ إلى حائطٍ البرْقِ،

هكذا،

وليأتِ العدمُ منْ غيمةٍ أو مُسدَّس،

هكذا ولتجمعوا الجرارَ الَّتِيْ تنعسُ بينَ نهرينِ يقتتلان.

*

الكلامُ المحتشدُ كَنسَ العواصفَ من أزقَّة جسدي المعتمة.

والصرخاتُ تبقِّعُ جلدَ أيامي، وزجاجُ الخريفِ أقواسٌ.

في ربيعٍ متوحِّشٍ، حيث السَمَاْءُ تُقَطِّعُ بأسنانِها ظلاميَ الفائض،

حيثُ نعاسٌ مبتورٌ ينهضُ من سريرٍ طويلٍ،

حيث عسلٌ واضحٌ يستدعي سواداً شائكاً،

ربَّما سواد تنورتكِ الجلديَّة، أو سواد الغائب عن حياته، في ربيعٍ متوحِّشٍ، حيث تنتظرين،

أنْتظرُ الشراك الَّتِيْ تُردي ظلالَ أسمائي.

[فريسةُ وجداني الجائع ناضجة

بينما يأسكِ يستمرُّ في الغليان.]

*

كما في المرَّة القادمة، وأعيادٌ مقفلةٌ،

إسمُهُ يسرعُ في التلفُّتِ إلى أيامٍ تنهارُ،

اسمُه ـ أقول اسمه ـ ( لا بَرِيْد ولا سرير!)

خارجَ الكلماتِ تحفرُ أيامي أنفاقَ العيد المكذوب،

ربَّما جثَّتي مسكونةٌ بالرسائل المنسيَّةِ،

ربَّما يداكِ أجراسٌ تغسلُ مقابضَ الأبوابِ،

أبوابِ المنازلِ المهدومةِ، وأبوابِ الباصات الَّتِيْ أسكبُ فيها بياضَ روحي، وأبوابِ الكلام المهمل تحتَ راياتٍ مهزومة.

*

رأوني متورطاً بالسكوتِ، فتكلَّموا خارجَ القول،

سرَّاقُ هوامشي وحسَّادُ أعيادي المؤجلَّة،

رأوني واقفاً تحتَ فواتِ الآن، ويداي في جيبي،

بينما المطرُ الأشقرُ يمرُّ امامي.

*

الوردةُ خلفَ الظلام تخطِّطُ لاغتيال هوائي،

أهوَ ما يدعوني لنسيانِ مهنة الحربِ في المصعد!

أهو ما يدعوني لتصديق ثراء زوج الخياطة

وتدريب الْهَوَاْءِ على الجلوس فوق كتفي؟

أهو ما يدعوني إلى وضعِ يدي في يد العدمِ والمشي في جنازة الحريَّة؟

الحريَّة خطيبةُ الميتِ،

أو ميتٌ يطلِّقُ زوجتِهِ لصالحِ الْمَوْتَىْ.

*

الرفضُ مأذونٌ لهُ بقراؤةِ المحْوِ في رسالة سوداء،

وهكذا أيُّها الممثِّلُ المفضوحُ،

لا بَرِيْدُكِ الغامضُ، ولا قهقهةُ العميان، ينجيان مشهدَكَ الصامتَ

من عرْي الموسيقى.

فامحُ رائحةَ انتظارك،

كأنْ تتلمَّسَ حياتَكَ النائمةَ وتقول: أحلُمُ،

أو كأنْ تعبرَ أرضاً حراماً لا تُفضي إلى ربيعٍ أوعدوٍّ .

*

كما في المرَّة القادمة و” شعائرُ” تجلسُ في إحدى زوايا الدار، وأقدامٌ محنَّاةٌ تضربُ سجَّادةَ الأرْضِ! بينما تندبُ الحريَّةُ بشعرٍ مسفوح على بطونٍ وظهورٍ، مغسولةٍ بدخانٍ وأبخرة، والطويلةُ نصف عاريةٍ في المطبخ، وثمَّةَ باصٌ يتعطَّلُ في الصحراء!

[اللذةُ تطبخُ النارَ نيابة عن عيدٍ ينامُ في المطبخ!]

*

أرضي مؤجَّلةٌ،

وما أنا عليه الآن، سوادُ الهروبِ اللاحقِ،

البياضُ يتأخَّرُ،

ترتدِّينَ،

فأنالُ فواتَكِ.

*

أنتِ غيابُها

ما غيابُك؟

*

عندما أشبهُ أحداً

أحرمُ أحْلاْميْ من التَّنَزُّهِ في الْهَوَاْءِ،

الْهَوَاْءِ الَّذِيْ يتقاطعُ على غياب ليسَ لي.

*

على أية أعراسٍ ينطوي صيفُك كي أهذِّبَ أفعالي الملتبسة مع حريقِ القسْوةِ؟

أينَ أستبدلُ هذا الجسدَ الملحقَ بي؟

أينَ أستبدلُ نسيانَكِ بالحياةِ؟

ماذا لو تطيرُ أعيادُكِ كي ألاحقَ أزهاراً ترتدي صحوَك؟

كي أحقَّقَ أخطائي المؤجَّلة، وأسلمَ ظلامي لذئابِ اللحظة المحروسةِ بالخوفِ، أكلُّ هذه الكلماتِ الناقصة حياتي؟

ماذا فعلتُ بأعيادي كي أطالبَ بالقصاصِ من أفعالي الَّتِيْ تنامُ قربَ ضوءٍ يُشيعُ كلَّ ما لا يحقُّ لي اتباعهُ؟

*

فمي يخلطُ حليبَك بالكلام، ويدي توصي الأشباح بأثمارك القديمة،

وقدْ أخذَ الغائبُ صُوْرَةَ أخطائي ومتعةَ الفرارِ من الخطأ الوحيدِ وشظايا الربيع المشاكس.

أستقبلُ أعترافي خارجَ الماضي الَّذِيْ يحتالُ،

خارجَ المقابر الَّتِيْ تحرسُ الأجراسَ،

وهذهِ التلال الَّتِيْ تخبِّئ خافها فجراً آثماً.

*

كما في المرَّة القادمة

أصِلُ

متأخِّراً..