قصيدة الرضا

علَّمتني الحياةُ أن أتلقّى

كلَّ ألوانها رضاً وقبولا

ورأيتُ الرِّضا يخفِّف أثقا

لي ويُلقي على المآسي سُدولا

والذي أُلهم الرِّضا لا تراهُ

أبدَ الدهر حاسداً أو عَذولا

أنا راضٍ بكل ما كتب الله

ومُزْجٍ إليه حَمْداً جَزيلا

أنا راضٍ بكل صِنفٍ من النا

سِ لئيماً ألفيتُه أو نبيلا

لستُ أخشى من اللئيم أذاه

لا، ولن أسألَ النبيلَ فتيلا

فسح الله في فؤادي فلا أر

ضى من الحبِّ والوداد بديلا

في فؤادي لكل ضيف مكان

فكُنِ الضيفَ مؤنساً أوثقيلا

ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان

أو يراه على النِّفاق دليلا

فالرضا نعمةٌ من الله لم يسـ

ـعد بها في العباد إلا القليلا

والرضا آيةُ البراءة والإيـ

ـمان بالله ناصراً ووكيلا

علمتني الحياةُ أنَّ لها طعـ

ـمَين، مُراً، وسائغاً معسولا

فتعوَّدتُ حالَتَيْها قريراً

وألفتُ التغيير والتبديلا

أيها الناس كلُّنا شاربُ الكأ

سَين إنْ علقماً وإنْ سلسبيلا

نحن كالرّوض نُضْرة وذُبولا

نحن كالنَّجم مَطلعَاً وأُفولا

نحن كالريح ثورة وسكوناً

نحن كالمُزن مُمسكاً وهطولا

نحن كالظنِّ صادقاً وكذوباً

نحن كالحظِّ منصفاً وخذولا

قد تسرِّي الحياةُ عني فتبدي

سخرياتِ الورى قَبيلاً قَبيلا

فأراها مواعظاً ودروساً

ويراها سواي خَطْباً جليلا

أمعن الناس في مخادعة النّفـ

ـسِ وضلُّوا بصائراً وعقولا

عبدوا الجاه والنُّضار وعَيناً

من عيون المَهَا وخدّاً أسيلا

الأديب الضعيف جاهاً ومالاً

ليس إلا مثرثراً مخبولا

والعتلُّ القويُّ جاهاً ومالاً

هو أهدى هُدَى وأقومُ قيلا

وإذا غادة تجلّت عليهم

خشعوا أو تبتّلوا تبتيلا

وتَلوا سورة الهيام وغنّو

ها وعافوا القرآن والإنجيلا

لا يريدون آجلاً من ثواب الله

إنَّ الإنسان كان عجولا

فتنة عمّت المدينة والقر

يةَ لم تَعْفِ فتية أو كهولا

وإذا ما انبريتَ للوعظ قالوا

لستَ رباً ولا بُعثتَ رسولا

أرأيت الذي يكذِّب بالد

ين ولا يرهب الحساب الثقيلا

أكثرُ الناس يحكمون على النا

س وهيهات أن يكونوا عدولا

فلكم لقَّبوا البخيل كريماً

ولكم لقَّبوا الكريم بخيلا

ولكم أعطَوا الملحَّ فأغنَوا

ولكم أهملوا العفيفَ الخجولا

ربَّ عذراء حرّة وصموها

وبغيٍّ قد صوّروها بتولا

وقطيعِ اليدين ظلماً ولصٍ

أشبع الناس كفَّه تقبيلا

وسجينٍ صَبُّوا عليه نكالاً

وسجينٍ مدلّلٍ تدليلا

جُلُّ من قلَّد الفرنجة منا

قد أساء التقليد والتمثيلا

فأخذنا الخبيث منهم ولم نقـ

ـبسِ من الطيّبات إلا قليلا

يوم سنَّ الفرنج كذبةَ إبريـ

ـلَ غدا كل عُمْرنا إبريلا

نشروا الرجس مجملاً فنشرنا

هُ كتاباً مفصَّلاً تفصيلا

علمتني الحياة أنَّ الهوى سَيْـ

ـلٌ فمن ذا الذي يردُّ السيولا

ثم قالت: والخير في الكون باقٍ

بل أرى الخيرَ فيه أصلاً أصيلا

إنْ ترَ الشرَ مستفيضاً فهوِّن

لا يحبُّ الله اليئوس الملولا

ويطول الصراع بين النقيضَيـ

ـنِ ويَطوي الزمانُ جيلاً فجيلا

وتظلُّ الأيام تعرض لونَيْ

ها على الناس بُكرةً وأصيلا

فذليلٌ بالأمس صار عزيزاً

وعزيزٌ بالأمس صار ذليلا

ولقد ينهض العليلُ سليماً

ولقد يسقطُ السليمُ عليلا

ربَّ جَوعانَ يشتهي فسحة العمـ

ـرِ وشبعانَ يستحثُّ الرحيلا

وتظلُّ الأرحامُ تدفع قابي

لاً فيُردي ببغيه هابيلا

ونشيد السلام يتلوه سفّا

حون سَنُّوا الخراب والتقتيلا

وحقوق الإنسان لوحة رسّا

مٍ أجاد التزوير والتضليلا

صورٌ ما سرحتُ بالعين فيها

وبفكري إلا خشيتُ الذهولا

قال صحبي: نراك تشكو جروحاً

أين لحن الرضا رخيماً جميلا

قلت أما جروح نفسي فقد عوَّ

دْتُها بَلسَمَ الرضا لتزولا

غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي

ليس إلا التقاعسَ المرذولا

لستُ أرضى لأمة أنبتتني

خُلُقاً شائهاً وقَدْراً ضئيلا

لستُ أرضى تحاسداً أو شقاقاً

لستُ أرضى تخاذلاً أو خمولا

أنا أبغي لها الكرامة والمجـ

ـدَ وسيفاً على العدا مسلولا

علمتني الحياة أني إن عشـ

ـتُ لنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا

علمتني الحياةُ أنيَ مهما

أتعلَّمْ فلا أزالُ جَهولا