الموت يأتي كي يجدد ثوبه

فِي ذِكْرَى جَدِّي لِأُمِّي: عبد القادر علي الدريهمي
(1)
هِيَ ذَاتُهَا الْكَلِمَاتُ
تَسْكُنُ فِي لَمَى الْأَوْجَاعِ
تَسْرِدُ قِصَّةٙ الْعُمْرِ الطَّوِيلِ كَلَحْظَةٍ؛
فَتَعِيشُ فِي أَعْمَاقِهِ
فَرَحًا وَحُزْنَا
يَا لَهَا مِن رَوْعَةِ الْحَكْيِ الْقَدِيمِ
وَتُوتَةُ الأجْدَادِ تَحْتَ الظِّلِ
تَجْمَعُ شَمْلَ أحْبَابٍ لَنَا رَحَلُوا
خَالٌ وَجَدٌ ثُمَّ خَالٌ
ثُمَّ عَمٌّ ، ثُمَّ .. ثُمَّ
الْمَوْتُ يَأتِي كَيْ يُجَدِّدَ ثَوْبَهُ؛
فَنَبِيْعُهُ أعْمَارَنَا
فَيُكَفِّنُ الأحْلامَ حَيْثُ المُنْتَهَى
لا صَوْتَ يَخْرُجُ مِنْ شِفَاهٍ أُطْبِقتْ
لَكنَّهَا الذِّكْرَى
تَغُوصُ بِصَوْتِهَا
كَيْ تُوقِظَ الأيَّامَ حَيْثُ الْمُبْتَدَى
قَدْ كَانَ فِيمَا قَدْ مَضَى
جَدٌّ يُوَارِي شَيْبَةَ الْعُمْرِ الثَّقِيلِ بِبَسْمَةٍ
يَمْشِي هُنَا
وَبِرِفْقَةِ الشَّمْسِ الْبَشُوشَةِ
نَازِلًا لِلْأَرْضِ يَرْوِي ظَمْأَهَا
فَرِحًا
وَبِالْعَرَقِ المُعَتَّقِ بالمَتَاعِبِ رَاضِيًا
لا شَيءَ يُزْعِجُهُ بِهَذِي الْأَرْضِ..
غَيْرُ طُفُولَةٍ ثَكْلَى
تَوَارَى وَجْهُهُا
فِي سَاحَةِ القَتلِ الّتِي احْمَرَتْ دَمَا
تِلْفَازُهُ الْهَلْكَانُ يُخْبِرُهُ
بِمَا يَجْرِي بَأرْضِ الأنْبِيَا
جَدَّاهُ يَا جَدِّي أَنَا
هِيَ كُلُّهَا الأخْبَارُ تُشْبِهُ بَعْضَهَا
وَالْقُدْسُ تَنْطِقُ لَهْفَةً
أنَا وَجْهُ مَاضِيْكَ السَّعِيدِ
فَقُلْ لَنَا
باللهِ قُلْ،
أَهِيَ الْحَيَاةُ بِقَهْرِهَا صَارَتْ لَنَا؟!
(2)
قَدْ كَانَ فِيْمَا قَدْ مَضَى
خَالٌ يُداعِبُه الصَّباحُ كَأنَّهُ
شَمْسٌ لَهُ
وَدَمُ الشَّبَابِ يَفُورُ فِي أطْرَافِهِ
وأنَا الصَّغِيرُ مُبَحْلِقًا
فِي وَجْهِهِ طُولَ الْمَسَاءْ
يَا خَالُ، هَذَا كِتَابُكَ؟!
وتَبَسَّمَ الْقَلَمُ الرَّصَاصُ بِرَاحَةٍ
فِي قَلْبِ صَفْحَتِهِ الَّتِي طُويَتْ عَلَيهْ
..
الْمَوْتُ يَأتِي كَيْ يُجَددَ ثَوْبَهُ
كَيْ تَرْكَعَ الْكَلِمَاتُ فِي مِحْرَابِ
دَمْعَتِنَا الْقَدِيمَةِ والْجَدِيدَةِ رَكْعَتَينْ
أَعَلِمْتَ حَقًا رَكْعَتَينْ!
أمْ أنَّهُ التَّابُوتُ يُفْتَحُ كُلَّ حِينٍ
يُخْرِجُ الأحْزَانَ،
تَفْتَرِشُ الْمَدَى وتُصَلِّي
- Advertisement -