راية في الريح

بحثت بأدمعي عنكم

وناشدت الرياح السود عن أحوالكم خبرا

صدى ذكراكم ينداح في غور الجوانح ,

كاحتراق مشاعل الذكرى

ولا من بارق منكم

يمنّيني وينعش قلبي المحرور بالأفياء

ترى ما زلتم أحياء ؟!

يعذّبني الغياب فكيف يا اهلي تغربتم ؟

عن الليمون والتين

وعن عشّ الحساسين

على الزيتونة التي حفرت على أغصانها أسمى محبتّكم

عن البلد الذي روّت ثراه دماؤكم ,

في ساعة الهول التي كانت سنابكها .

تدوس زهورنا الخضراء , تفرش أرضنا حزنا ؟

تشرّدتم

ولكن ما تخاذلتم

ولا بنتم

عن الأرض التي في قلبها يوما توحّدتم

وها أنتم بلا أرض ولا دار

***

وعدت إليكم عبر الليالي السود من منفاي

أقاسي خيبة الآمال ,

أبحث عن أحبتي الذين طواهم الغدر

على جسر الدموع وجدتكم , لا ظلّ , لا مأوى

ولا زاد , ولا سلوى

تمدّدتم على وجع ,

على جوع ,

على عري ,

رفضتم ذلة الشكوى

وكان الحزن يرفدكم , يمدّ وجودكم معنى

يشدّ خطاكمو للأرض ,

يزرعكم بعين الشمس وهج تمرّد , قمما .

***

قدمت إليكم وقد افترشتم حلّة الغبراء

وكان ندائي المكموم

يعانق جرحكم والأرض تصرخ ,

غاص نبع الصفو , غشّى

جبهة الأفق الكئيب وشاح أرملة ,

حنت ريح المنايا غصن واحدها

فأحلكت الدروب أسى ,

ومات الصبح مخنوقا على بوّابة الأحزان

” يا تعبي , يا شقاي .

يا شماتة عداي “

نواحك أيقظ الأوجاع في صدري

وأطفأ في عيوني شعلة الفجر

رأيت تحّجر الآلام في الأحداق

سؤالا حائرا مجروح

إلى أينا ؟

تظلّ قوافل الأحباب تغرب عن بيادر ارضنا , تنأى

يرافقها حنين النورس الباكي إلى مرفأ

ارقب يا أحبائي خطاكم وهي تعبر ضفّة النهر

وفي عينيّ أحمل ما بأعينكم من الأحزان والقهر

فمي سدّ أمام تفجّر الكلمات

تعذّبني من الأعماق

وتغرس شوكها في قلبي الدامي

لأن الصمت والكلمات ما أقساهما مأساة

فيا عاري إذا ما زالت الكلمات

سلاحي , والطريق علامة حمراء

فكيف أصمّ آذاني وأقعد عن نداء الأرض والشهداء ؟

وفي عينيّ إصراري

وشاهدة كتبت حروفها من جرحي الناري

لترفع فوق قبري راية في الريح

” فلسطينية أرضي

فلسطينية أرضي “