عاطني يا تونسي في نخبها

عاطني يا تونسي في نخبها

كأس صفو وبرياها اسقني

فهي ليلى وأنا قيس بها

ومن الإيمان حب الوطن

شهرتي في حبها شهرته

قل كفى هذا التغالي شرفا

وكذا قل غيرتي غيرته

فبحمد الله نحن الحلفا

فكلانا أينعت زهرته

وكلانا بالغرام اتصفا

أبدا لا أنثني عن حبّها

فالهوى العذري قد لازمني

كيف أسو والمنى في كسبها

وهي نعم الكسب عند المقتني

هي فوق الأرض فردوس يرى

من فراديس النعيم الأخروي

ماء عين في الأنابيب جرى

نحن والأشجار منه نرتوي

ومن الأنوار سيّال سرى

كهربائيا بخط مستوي

رحبت واتسعت بحسبها

وارتقت طبق ارتقاء الزمن

جررت في التيه ذيل عجبها

وازدهت عن كل مصر مدني

من أناخ الركب في أبوابها

قال هذي غرم ذات العماد

إذ يرى الخضراء في أثوابها

بلدة كانت على وفق المراد

اعتلت شأنا على أترابها

اعتلاء الشأن في بانت سعاد

كم بها من ظبية في سربها

من ظبا الافرنج غصنا تنثني

رق منها الخصر ما في ثوبها

غير لطف بدلا من بدن

يا لباب البحر فينا من كناس

تتجلى منه غزلان النقى

تسلب الألباب من ذاك اللباس

فهي أزياء بها الحسن ارتقى

كم قلوب تحت أقدام تداس

كلما يبدو محيا مشرقا

سيجت أنهاجه من قضبها

وعليها ذلك النور السني

وترامت سكك في تربها

حيث يجري الأفعوان المنحني

هو ذاك الرتل جواب القفار

محدث الأنفاق في جوف الجبال

شامخ الأنف بأنفاس البخار

جهوري الصوت قوام الليالي

فهو كالبركان يرمي بالشرار

ينهب الأرض انتهابا باغتيال

مثله ذات العصي في سحبها

ذيل سلك فوق ذاك الغصن

تتمشى الكهربا في قلبها

لتجد السير بالمستظعن

وقصور شامخات زخرفت

تتناغى ناطحات للسحاب

وإدارات بها قد نظمت

وجرى تنظيمها مجرى الحساب

وثنايا واضحات مهدت

ومماش ورياض ورحاب

وكراسي صففت في جنبها

يستوي عنها الفقير والغني

وشجيرات زهت بقربها

كاسيات حسنت للأعين

وجنان قد تسمى البلفدير

جنة الفردوس قولوا باختصار

كللت أرجاؤه لا بالحرير

بل بأزهار كساها الازدهار

وبه قصر فخيم كالسدير

قمر بالليل شمس بالنهار

كم أماطت غيده لتربها

عن محيا فاتن مستحسن

يتلظى منه قلب صبها

حيث ذاك الحسن منشا الشجن

يا كناس الريم يا مأوى الظبا

يا مقر الأنس يا روص السرور

كم على الاغصان هبت من صبا

كم ليال أطلعت فيك البدور

كم تلقّى في الهوى منك النبا

عاشق حنّت له فيك الطيور

كم أناس ذهلت عن لبّها

ورأت فيه مرائي الوسن

والهوى كالكهربا في جذبها

جرّنا للغيد جرّ الرسن

مالنا وللغواني والهوى

واحتسا الصهباء من جوف الدنان

إنما حبّي لشعبي قد ثوى

في الحشا قل هكذا الحب المصان

فلتهزوا أيها القوم اللوا

في حمى الخضرا فوجه الحظّ بان

تونس من شرقها لغربها

في ارتياح دل عن عيش هني

زادها رب الورى في خصبها

لترى أبناءها ما تقتني

أيها الأقوام كونوا نبلا

وارفعوا بالله شأن التونسي

لا يكون المرء فيها رجلا

وهو ذو رأس بها منكس

فارتقوا بالفضل هامات العلا

وانشدوا ما قلت بالتحمس

عاطني يا تونسي في نخبها

كأس صفو وبرياها اسقني

فهي ليلى وأنا قيس بها

ومن الإيمان حب الوطن