تغريبة القوافل والمطر

أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ

صُبَّ لنَا وطناً فِي الكُؤُوسْ

يُدِيرُ الرُّؤُوسْ

وزِدْنَا مِنَ الشَّاذِلِيَّةِ حتَّى تَفِيءَ السَّحَابَةْ أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ

واسْفَحْ علَى قِلَلِ القَومِ قَهْوتَكَ المُرَّةَ

المُسْتَطَابَةْ

أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ مَمْزُوجَةً بِاللَّظَى

وقَلِّبْ مواجعنَا فوقَ جَمْرِ الغَضَا

ثُمَّ هَاتِ الرَّبَابَةَ

هاتِ الرَّبَابةْ:

أَلاَ دِيمَةً زَرقاء تَكتَظُّ بإلدِّمَا

فَتَجْلُو سَوادَ الماءِ عَنْ ساحِلِ الظَّمَا

أَلاَ قَمَرًا يَحْمَرُّ فِي غُرَّةِ الدُّجَى

ويَهْمِي على الصحراءِ غيثاً وأَنْجُمَا

فَنَكْسُوهُ مِن أحزاننَا البيضِ حُلَّةً

ونتلُو على أبوابِهِ سُورةَ الحِمَى

أَلا أيُّها المخبُوءُ بينَ خيامِنَا

أَدَمْتَ مِطَالَ الرملِ حتَّى تَورَّمَا

أَدَمْتَ مِطَالَ الرملِ فَاصْنَعْ لَهُ يَداً

ومُدَّ لهُ فِي حانةِ الوقتِ مَوسِمَا

أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ

حتَّى يَئِنَّ عمود الضُّحَى

وجَدِّدْ دمَ الزَّعْفَرَانِ إذَا ما امَّحَى

أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ حتَّى تَرى مفرقَ الضوءِ

بين الصدورِ وبين اللِّحَى

أَيَا كاهنَ الحيِّ

أَسْرَتْ بِنَا العِيسُ وانْطَفَأَتْ لُغةُ المُدْلجينَ

بوادي الغضَا

كَمْ جلدْنَا متُونَ الرُّبَى

واجْتَمَعْنَا على الماءِ

ثُمَّ انْقَسمْنَا على الماءِ

يا كاهنَ الحيِّ

هَلاَّ مَخَرْتَ لنا الليلَ في طُورِ سِيناءَ

هلاَّ ضَربتَ لنا موعداً في الجزيرةْ

أيا كاهنَ الحيِّ

هَلْ في كتابِكَ مِن نَبإ القومِ إذْ عَطَّلُوا

البيدَ واتَّبَعُوا نَجمةَ الصُّبحِ

مَرُّوا خفافاً على الرملِ

يَنْتَعِلُونَ الوجَى

أسفرُوا عَن وجوهٍ مِنَ الآلِ

واكتَحلُوا بالدُّجَى

نظروا نظرةً

فَامْتَطَى غَلَسُ التِّيهِ ظَعْنَهُمُ

والرياحُ مواتيةٌ للسفرْ

والمدى غربةٌ ومطرْ

أيا كاهنَ الحيِّ

إنَّا سلكنا الغمامَ وسَالَتْ بنا الأرضُ

وإنَّا طرقْنا النوى ووقفْنَا بسابعِ أبوابِهَا

خاشعينَ

فَرَتِّلْ عَلَينَا هَزِيعاً مِنَ اللَّيلِ والوطَنِ المُنْتَظَرْ:

شُدَّنَا فِي سَاعِدَيكْ

واحْفَظِ العُمْرَ لَدَيكْ

هَبْ لَنَا نُورُ الضُّحَى

وأَعِرْنَا مُقْلَتَيكْ

واطْوِ أَحْلامَ الثَّرَى

تَحْتَ أَقْدَامِ السُّلَيكْ

نَارُكَ المُلْقَاةُ فِي

صَحْوِنَا حَنَّتْ إلَيكْ

ودِمَانَا مُذْ جَرَتْ

كَوثَراً مِنْ كَاحِلَيكْ

لَمْ تَهُنْ يَوماً ومَا

قَبَّلْتَ إلاَّ يَدَيكْ

سَلاَمٌ عَلَيكَ

سَلاَمُ عَلَيكْ

أَيَا مُورِقاً بالصبايا

ويا مُترَعاً بلهيبِ المواويلِ

أَشعلْتَ أغنيةَ العيسِ فَاتَّسعَ الحُلْمَ

فِي رِئَتَيكْ

سَلامٌ عَليكَ

سلامٌ عَليكْ

مُطِرْنَا بِوجْهِكَ فَلْيَكُنِ الصُّبح مَوعدنَا

للغناء

ولْتكُنْ سِدرة القلبِ فواحةً بالدماء

سلامٌ عليكَ

سَلامٌ عَلَيكْ

سلامٌ عليكَ فهَذا دمُ الرَّاحلينَ كتابٌ

من الوجدِ نتلوهُ

تلك مآثرهم في الرمالِ

وتلك مدافنُ أسرارِهِم حينما ذلَّلَتْ

لَهُمُ الأرضُ فَاسْتبقُوا أيُّهم يَرِدُ الماءَ

• ما أبعد الماءَ

ما أبعد الماء!

• لا، فَالذي عَتَّقتهُ رمالُ الجزيرةِ

واستودعتْهُ بكارتها يرِدُ الماءَ

يا وارد الماء عِلّ المطايا

وصُبَّ لنا وطناً في عيونِ الصبايا

فما زالَ في الغيبِ مُنتجعٌ للشقاء

وفي الريحِ من تعبِ الرَّاحلينَ بقايا

إذا ما اصْطَبَحْنَا بشمسٍ مُعتَّقةٍ

وسكرنا برائحة الأرض وهي تفورُ

بزيتِ القناديلِ

يا أرضُ كفِّي دماً مُشرَباً بالثآليلِ

يا نَخلُ أَدْرِكْ بنا أول الليلِ

ها نحن في كبدِ التيهِ نَقْضِي النوافلَ

ها نحن نكتبُ تحتَ الثرى

مطراً وقوافلَ

يا كاهن الحيِّ

طالَ النوى

كلَّما هَلَّ نجمٌ ثَنَينَا رقابَ المَطيِّ

لِتَقْرأَ يا كاهنَ الحيِّ

فَرَتِّلْ عَلَينَا هَزِيعاً مِنَ اللَّيلِ والوطَنِ المُنْتَظَرْ.