رحيل الشيخ الغريب

تِهْ في زَمَانِ التِّيهِ وَاهْدِ مُحَيَّرَا

وَاسْكُبْ سُلاَفَكَ لِلنَّدامَى كَوْثَرَا

وَانْشُرْ زَبُورَكَ فِي الدَّيَاجي كَوْكَبًا

يَذَرُ العَصِيَّ مِنَ الطَّلاَسِمِ نَيِّرَا

وَاذْرِفْ حُدَاءَكَ فَالدُّرُوبُ مَهَامِهٌ

وَالهَدْيُ في زمَنِ الضَّلاَلَةِ مُفْتَرَى

مَا أَنْتَ إِنْ لَمْ تَشْتَمِلْكَ جَلاَلَةٌ

تَسْبِي القُلُوبَ وَتَسْتَمِيلُ نُهَى الوَرَى؟

مَا أَنْتَ إِنْ لَمْ نَتَّخِذْكَ مَثَابَةً

لِلسَّالِكِينَ، وَلِلْحَقِيقَةِ مَعْبَرَا؟

مَا أَنْتَ إِنْ لَمْ نَنْتَظِرْكَ رِسَالَةً

فِيهَا المَعَارِفُ قَدْ فَضَحْنَ مُنَكَّرَا؟

أوَ لَسْتَ في فَلَكِ الكِنَانَةِ بَدْرَهَا

مُتَألِّقًا، أوَ لَسْتَ أَنْتَ الأَزْهَرَا؟

يَا أيُّهَا الشَّيْخُ المُسَافِرُ في القُرُو

نِ مُظَفَّرًا كَمْ جُزْتَ فِيهَا أَدْهُرَا

مُتَرَفِّعًا كَالنَّسْرِ في عَلْيَائِهِ

مَا كَانَ يَوْمًا عَرْشُهُ فَوْقَ الثَّرَى

أَوْ كَانَ يَوْمًا كَالْبُغَاثِ خَلاَ لَهُ الْـ

ـجَوُّ الْمُغَبَّرُ فَانْثَنَى مُسْتَنْسِرَا !

أَوْ كَانَ يَوْمًا كَالجَنَادِبِ مُنْشِدًا

سَمْعَ الغَيَاهِبِ مَا يُرَيْنَ وَلاَ يُرَى

بَلْ كُنْتَ شَمْسًا في ضُحَاهَا فَذَّةً

تَهَبُ التَّجَدُّدَ وَالضِّيَاءَ الأَبْهَرَا

وَالْيَوْمَ صِرْتَ مَعَ اللَّيَالي طَائِرًا

نِضْوًا فَلاَ سَفْحًا أَصَبْتَ وَلاَ ذُرَا

مَا لِي أَرَاكَ تَجُرُّ خَطْوَكَ سَيِّدِي

بَيْنَ التَّنَائِفِ مُثْقَلاً مُتَعَثِّرَا؟

أَسْيَانَ ذَا لَهَفٍ تَؤُمُّ مجَاهِلاً

هَيْمَانَ مُرْتَكَسًا تَعُودُ القَهْقَرَى

أَهِيَ الشُّيُوخَةُ أَثْخَنَتْكَ بِنَافِذٍ

مِنْ طَعْنِهَا فَكَفَفْتَ خَيْلَكَ عَنْ سُرَى؟

أَمْ جُبَّةٌ فَيْنَانَةُ الأَرْدَانِ في

زَمَنِ التَّعَرِّي وَانْفِلاتَاتِ العُرَا ؟

أَمْ ذِي الهُمُومُ قَدِ انْحَنيْتَ لِوَطْئِهَا

ونَفَضْتَ كَفَّكَ مُكْدِيًا مسْتَعْبِرَا ؟

وَجَلَسْتَ تُزْجي لِلطُّلُولِ شَجَاكَ لاَ

خِلٌّ أَسَاكَ وَلاَ غَوِيٌّ أَقْصَرَا

تَعِظُ الأَصَمَّ وَقَدْ أَصَاخَ لِجَهْلِهِ

وَتُطِبُّ مَيْتًا حَقُّهُ أَنْ يُقْبَرَا

وَالطِّبُّ لِلْمَوْتَى دَلِيلُ تَبَطُّلٍ

وَدُعَاءُ صُمٍّ بَيْعُ مَا لاَ يُشْتَرَى

لَهْفِي عَلَيْكَ مِنَ الذِّئَابِ تَسَوَّرُوا

مِحْرَابَكَ الأَسْنَى وَدَاسُوا المِنْبَرَا

وَعَوَوْا بِآيَاتِ الضَّغِينَةِ وُقَّحًا

وَتَنَبَّؤُوا كَذِبًا وَقَاؤُوا مُنْكَرَا

وَتَنَاشَدُوا أَوْرَادَهُمْ فَالإفْكُ فِيـ

ـهَا نَاعِقٌ وَالحَقُّ سِقْطٌ مُزْدَرَى

يَبْغُونَهَا عِوَجًا وَفَضْلَ تفَيْهُقٍ

وَبَلاَغَةً خُنْثَى وَفِقْهًا أعْوَرَا

مِثْلَ الْمُهَرِّجِ في بَلاَطِ الْمُلْكِ كَمْ

أَرْخَى غَدَائِرَهُ وَحَلَّ الْمِئْزَرَا !

عَبَثًا يُحَاوِلُ أَنْ يُفَرِّجَ كُرْبَةً

عَنْ عَابِسٍ أَوْ أَنْ يُسَلِّيَ قَيْصَرَا

لَكِنَّهُ الْهُونُ الَّذِي جُبِلَتْ عَلَيْـ

ـهِ خَلائِقٌ وَاسْتَمْرَؤُوهُ أَدْهُرَا

يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الغَرِيبُ بِأَرْضِه

هَلاَّ رَحَلْتَ وَجُزْتَ كَوْنًا أكْفَرَا !

فَمِنَ الْجَلاَلَةِ أَنْ تَعِيشَ مُغَرَّبًا

وَمِنَ الفقَاهَةِ أَنْ تَمُوتَ مُطَهَّرَا

وَمِنَ الصَّفَاقَةِ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الأَذَى

ذُو فِطْنَةٍ وَيَزُورَ جَفْنَيْهِ الكَرَى!

ارْحَلْ ودَعْنَا يَا غَرِيبُ فَكُلُّنَا

لَكَ خَائِنٌ وَالثَّبْتُ ولَّى مُدْبِرَا !

وَالْقِرْدُ أصْبَحَ في الخَلاَئِقِ رَاهِبًا

مُتَنَسِّكًا وَالجَحْشُ أمْسَى قَسْوَرَا !

ارْحَلْ وَدَعْنَا في غَيَابَةِ خِزْيِنَا

فَالْخِزْيُ مِنَّا قَدْ بَدَا مُسْتَقْذِرَا !

وَالْقُبْحُ أَلْفَى في صِفَاقِ وُجُوهِنَا

وَطَنًا لَهُ فِيهِ الرِّفَادَةُ وَالْقِرَى !

وَالزُّورُ نَحْنُ الشَّاهِدُوهُ جِبِلَّةً

وَالدَّجْلُ نَحْنُ الْمُبْدِعُوهُ مُصَوَّرَا !

وَالرَّاقِصُونَ عَلَى حِبَالِ الإثْمِ نَحْـ

ـنُ ونَحْنُ مَنْ بَاعُوا الكِتَابَ تَحَضُّرَا !

العَارِضُونَ مِنَ الحَرَامِ بِضَاعَةً

وَالفَاتِحُونَ مِنَ الشَّرَائِعِ مَتْجَرَا !

يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الغَرِيبُ أَنَا وَأَنْـ

ـتَ مُضَيَّعَانِ كَآبَةً وَتَطَيُّرَا

صِنْوَانِ نَحْنُ عَلَى الْمَكَارِهِ نَغْتَدِي

وَنَرُوحُ ننْزِفُ من جَوَانَا أبْحُرَا

لاَ الشِّعْرُ حَلَّ مَعَ الأَعَاجِمِ عُقْدَتِي

ويْحي وَلاَ سِجْنُ القَوَافِي حَرَّرَا

صَدْيانَ أَقْبَعُ في غَيَابَةِ مَهْمَهٍ

رُوحًا مُصَفَّدَةً وَقَلْبًا فُطِّرَا

وَالْحُرُّ في زَمَنِ الطَّغَامِ مُنَكَّرٌ

يُعْطِي فَيُجْحَدُ أَوْ يَقُولُ فَيُمْتَرَى!

فَارْحَلْ فَإِنِّي رَاحِلٌ فَعَسَى نُصَا

دِفُ عَالَمًا مُعْشَوْشِبًا مُخْضَوْضِرَا

الْحُبُّ فِيهِ مَعَ النَّسَائِمِ ذَائِعٌ

وَالطُّهْرُ يَثْوِي بِالضَّمائِرِ جَوْهَرَا

فَلَقَدْ يَرِقُّ الصَّخْرُ وَهْوَ مُكَابِرٌ

فَتَرَى الحَيَا مِنْ رَاحَتَيْهِ تفَجَّرَا

وَلَقَدْ يَبَرُّ اللَّيْلُ وَهْوَ مُكَفِّرٌ

فَتَرَاهُ رَغْمَ الدَّجْنِ يُبْدُو مُقْمِرَا

وَأَرَاكَ تَبْسِمُ فِي ائْتِلاَقَاتِ الضُّحَى

لَحْنًا هَتُونًا جَادَ أُفْقًا أَخْضَرَا

فَلأَنْتَ أُفْقِي فِي الغَرَامِ وَكَعْبَتِي

وَهَوَاكَ دِينِي مُذْ دَرَجْتُ مُبَشِّرَا

وَبِكَ انْثَنَيْتُ إِليْكَ مِنْكَ فَمَا المَدَى

إلاَّ رُؤَاكَ، وبَعْضُ عِشْقِي مَا جَرَى !

فَاغْفِرْ جُنُونيَ وَاحْتِدَامَ مَشَاعِرِي

فَالتِّيهُ حَانِي وَالنَّدِيمُ هُوَ السُّرَى!!