منيف

( في رثاء أخيه )

ويموت منا من يموت، بموعدٍ

أو صدفةٍ هي موعدٌ

وكأننا نلهو ونلعبُ في كَمينْ

مِنّا شهيدُ كهولةٍ أو غربةٍ

أو قُبلةٍ في الظَّهرِ

أو برصاصةٍ في الصدرِ

أو بهمومنا المتعرجاتِ على الجبينْ

مِنَّا شهيدُ اليأسِ

حيث تشيخ وَلْدَنَةُ الصَّبا عند الصبيَّ

وتنتهي آمالُ من ثاروا

بثرثرة الحبيب مع العدوِّ

وفي معانقةِ الضحايا للخصوم “الطيبينْ”

منا شهيد كلامه وغرامِهِ

وحروبه وسلامِه

والخَيْرِ تحت قميصِهِ

والشرِّ في أيامِهِ

والمرءُ فلاَّحٌ يُثَلِّمُ حَقْلَهُ

والموتُ مبذورٌ على أثلامِهِ

وحصادُه قممُ الفكاهةُ والجنونْ

وأخي شهيد جَماله وخصاله

أناْ لم أجد رجلاً يعيش بقلب أمٍّ مِثْلَهُ!

رجل رؤومْ

فَتَكَتْ به لا كفُّ غادره الغليظةُ وحدَها

بل رِقةٌ في النفس مُضْمَرةٌ وباديةٌ

كَضَوْءِ فَراشةٍ غاصت بمخملِ وردةٍ

فيبينُ جزءُ الجزءِ من كلتيهما

ويظل ما يخفى خيالاً لا يبينْ

وأخي شهيد خُصومة الروحِ الحريرِ

مع الأنا

وكأن فِطْرتَهُ ترى

أن النعيم الآخرونْ

وأخي شهيد جماله وخصالهِ

وهو الحَنونُ بنُ الحَنونةِ والحَنونْ

وهو الذي يرعى أباه، هشاشةً وترفُّقاً

وكأن والِدَهُ جَنينْ

وهو الذي ظلت أُمومتُهُ تُظَلِّلُ أُمَّهُ

ليرى ابتسامتها،

ويفزع أن يكون بثوب كنزتِها ولو خَيْطٌ حزينْ

هو شاعرٌ

والشِّعر ليس تبرجَ القاموسِ

بل نفسٌ تعاف رثاثةً تغرِي بنا، هو شاعرٌ

والشعر يجري في يديه بلا كلامْ

الحبُّ فيه طبيعةٌ منذ الولادة

مثلما تقضي الطبيعةُ

أن رفرفةَ الجوانحِ في الحمامْ

بغيابه

حرقوا حديقة مكرمات كاملة

والله إن قلنا له يَنْخاكَ محتاجٌ

سأعجبُ كيف يمنعه الضريحُ من القيامْ!

****

سأبوح يابن أبي ويا جدي الصغيرَ

بأنَّ حزني فيكَ كان أقلّ من غضبي

فمنذ فجيعة الإغريق

لم يصعد إلى الأولمب مفجوعٌ كما بلدي

كأنّ الكونَ مسرحُنا

ستارته الشتات ولم أجد

أحداً ليسدلَها علينا أو على الأعداءِ

مذ جاء الذين رأتهمو أمي وزرقاءُ اليمامة والكُتُبْ

وستهبط المأساة للملهاة ثانيةً

ضحايا يضحكون على الضحايا

والدموع على ابتسامات العَرَبْ

إعتب على من شئت يا بن أبي

وبالغ في العَتَبْ

أنت الذي ما غبت غيماً صامتاً

بل هكذا

كدوي غابات البتولا في نثار الرعدِ

يوم سقطْتَ أخضرَ واقفاً

وسواك يسقط كالحَطَبْ

إعتب على من شئت با ابن أبي

وبالغ في العَتَبْ

هي قصة لفتى غريب الدارِ

وهي القصة الكبرى لكل الدارِ

هذي الأرض لاجئة كمن لجأوا

يطاردها غِلاظُ الخَطو والخُطباءُ،

والخطباءُ إن قتلوا سعاداً أنشدوا بانت سعادْ.

سرقوا سماءَ الناس يا ابن أبي

ونبحش بالأظافرِ

في تراب الكون كي نجد السماءْ

وسيرقص الأعداء في التوراةِ

لا طرباً ولكن خدعةً

ويظل يرقص ذلك الحبشي لا طرباً

“حلاوةُ روحِهِ رقصت بِهِ”

سيزينون شجيرة الأعياد قرب البحرِ

ثم يجربون فؤوسهم في غابة الإغريقِ

حيث أَزِقَّةُ العربيِّ يرجف بردُها

وتموءُ في غدها القِطَطْ

وسيهمس الشهداء للشهداءِ:

هل متنا غَلَطْ؟

وسيسهر الأعداء قربَ البحرِ

ثم يرتِّبون الشرَّ مثل شراشفِ الأولادِ

يرمون الضحيةَ للضحيةِ والسوادَ على السوادْ

وهناك فوق غيومك الأولى، هناكْ

ستنام في قلق علينا، مثلَنا

حتى نغادرَ كلُّنا

هذا الحدادْ.