الخد ورد الربى والخال معطار

الخَدُّ وَردُ الرّبى والخالُ مِعْطارُ

وفي كِلا وجنتَيْهِ الماءُ والنارُ

وَجَفنُهُ مُذ بَدا في الكَسْرِ يَسْحرني

فَصَحَّ عِندي أَنَّ الجفنَ سحّارُ

فَهَلْ أفيقُ ولَحْظاهُ السُّقاةُ لَنا

وَالكَأسُ مَبسَمُهُ والثّغرُ خمّارُ

ساقٍ بَدا وكُؤوسُ الرّاحِ في يَدِهِ

يَلوحُ مِنها على الأَكوانِ أَنوارُ

وَقَد غَدَتْ حَولَهُ النُدمانُ دايِرةً

كَأَنَّهُم هالَة بِالبَدرِ قَد داروا

تَرى مَحاسِنَهُ لِلبَدرِ كاسِفَةً

وَكَمْ بِها عَمِيَتْ في الحبِّ أَبصارُ

إِذا بَدَتْ غَسَقاً أنوارُ غُرَّتهِ

فكمْ يَغيبُ لضوءِ الشمسِ أقْمارُ

وَإِن تَبَدَّى كَغُصنِ البانِ مُنعَطِفاً

تَفَتّكَتْ فيهِ شُبّانٌ وَأَبْكارُ

عَشِقتُه وهوَ طِفلٌ كالهِلالِ لهُ

منَ البَهاءِ بشَرقِ الحُسنِ إسفارُ

فيهِ خَلَعْتُ عِذاري وانتصَبْتُ لهُ

بِمدْحَةٍ لَم تَسَعْها اليَومَ أَسفارُ

حَيثُ اللِّحاظُ بِسَيفِ الغَمزِ فاتكَةٌ

لَها العَقارِبُ مِن صُدغَيهِ أَنصارُ

حَيثُ القَوامُ بِلينِ المَيلِ يَطعَنُني

وَكَمْ تَناهَتْ لَدى ذا المَيلِ أَعْمارُ

حَيثُ المُدامَةُ بَينَ الدُرِّ جاريَةٌ

لَها اللِّسانُ بِكَأسِ الثّغرِ عصّارُ

حَيثُ المَحاسِنُ خَطّتْ فَوقَ وجنَتِهِ

لامَ العِذارِ الّتي فيها الوَرى حاروا

لِلّه درُّ جَبينٍ كالهِلالِ بَدا

فلم يَلُحْ معهُ للبَدْرِ إظْهارُ

وَشامَةٍ مِنْ شَذاها الطّيبُ مُكتَسِبٌ

لِأَنَّ في خَدّهِ وَرْداً لها جارُ

كَأَنَّها مِن مُلوكِ الزّنْجِ جالِسَة

مِن فوقِ كُرسيِّ خدٍّ للبَها دارُ

مِنها يَفوحُ عَبيراً عِطرُ نَفحَتِها

كَما لَقَد فاحَ مِن ذا النَّدبِ أَعطارُ

نَدبٌ عَلا لِسماءِ العزِّ مرتَفِعاً

وَفي ثُريّا العُلى حَفَّتْهُ أَنوارُ

شَهمٌ لَقَد رَكِبَ المَعروفَ سابقةً

لَها المَكارِمُ وَقتَ السّبْقِ مِضمارُ

بَحرٌ تَراهُ بِمَوجِ الفَضْلِ مُلتَطِماً

وَغَيثُ راحتِهِ بِالجودِ مِسْطارُ

بَدرٌ بِمَنزِلَةِ الأفضالِ مطلَعُهُ

لَهُ بُروجُ العُلى وَالعِزِّ تَختارُ

هوَ الهُمامُ الَّذي فيه الزّمانُ صَفا

فَما اِعْتَراهُ بُعَيدَ الصّفوِ إِكْدارُ

هوَ الإِمامُ الَّذي جَلّتْ مَناقِبُهُ

وَضاقَ عَنْ جَمعِها كُتبٌ وَأَسْفارُ

هوَ الكَريمُ الَّذي قَد صارَ حاتَمهُ

نَسْياً فلَيسَ له ذا الآنَ إذْكارُ

هوَ الَّذي صارَ بِالإِحْسانِ يَملِكُنا

وكَم لهُ أعْبُدٌ دانَتْ وأحْرارُ

لا عَيْبَ فيهِ سِوى اِستِقلالِهِ مِنَحاً

منْ كَفُّه وَصْفُها لا شكّ إكْثارُ

فَيا لَهُ بَطلاً لِلأُسدِ مُقتَنِصاً

وإنّهُ أسدٌ في الحَرْبِ كرّارُ

بهِ حديثُ النّدى قد صحّ معضلُهُ

وحسَّنَتْهُ بنقْلٍ عنهُ أخْبارُ

بهِ الأكابِرُ عزّتْ بعْدَما خفضَتْ

كَما بِهِ عَزَّ أَقطارٌ وَأَمْصارُ

لِلّهِ مِنهُ نِظامٌ قَد غَدا حِكَماً

يَتيهُ منها لِذي الأفْهامِ أفكارُ

ودُرُّ منطقِهِ الحالي نَتيجَتُهُ

مِن لُؤلُؤِ اللّفظِ مَنثورٌ وَأَشعارُ

يا سِدْرَةَ المُنتهى يا كَعبَةَ الفضَلا

يا رَوضَ عِلمٍ به للفضلِ أزهارُ

يا جعفَرَ الفضلِ مَن يَحْيا الرّبيعُ به

ومَن به أُودِعت للمجدِ أسرارُ

يا أحمدَ الوَصفِ والفعلِ الحَميد ومَنْ

لهُ المَحامِدُ بينَ الخَلقِ تختارُ

فَخُذْ رَعاكَ إِلَهُ العَرشِ غانِيةً

في حُسنِها حارَ أَلبابٌ وَأَنظارُ

بِها يَهيمُ شَجاً في الشّدْوِ سامِعُها

كَأَنَّما هيَ أَنغامٌ وَأَوتارُ

أتَتْكَ تَمشي عَلى اِستِحْيائِها عَجَباً

بِكراً لَها بِخِباءِ الفِكرِ أسْتارُ

فَاِبْسُطْ لَها الكَفَّ وَاِسْتُرْ عَيْبَها كَرَماً

فَإِنّ مِثلكُمُ للعَيبِ ستّارُ

وَاِسْلَم وَدُمْ في أَمانِ اللَّهِ ما خُتِمَتْ

بِحُسْنِ صَدْحٍ مِنَ التّغريدِ أطْيارُ