بلبل الدوح عليه صدحا

بُلبلُ الدّوحِ عَلَيهِ صَدَحا

وَلِمَتنِ الغمِّ منّا شَرَحا

وَغُصونُ البانِ مالَت بُكرَةً

مِن ذِراعِ الرّيحِ لَمّا سَرَحا

وَنَسيمُ الزّهرِ أَبدَى عَرفهُ

كَذَكِيِّ الطّيبِ لَمّا نَفَحا

وَاِستِتارَ الغيدِ في بُرقُعِها

لِأُهيل العِشقِ حقّاً فَضَحا

وَغَزالٍ هُدبُه مُنتَصِبٌ

شَرَكاً يَصطادُ مَنْ قَد سَنَحا

جَرَّ عَقلي الميمَ مِن مَبسَمِهِ

وَبِنونِ الصّدغِ قَلبي فَتَحا

ثَمِلٌ أَسكَرَني مُقلتهُ

فَكَأنّي نِلتُ مِنها قَدَحا

ما أَدارَ الكَأسَ إِلّا خِلتُها

شَمسَ أُفقٍ نورُها قَد وَضُحا

عَرفُها إِن شَمَّهُ الصّاحي اِنتَشى

وَبِها النّشوانُ إِذْ ذاقَ صَحا

ما تَعاطاها كَئيبٌ عَقلُهُ

فاسِدٌ إِلّا وَمِنها اِصطَلَحا

قَد حَلا لي الراحُ مِن راحَتِهِ

إِذ سَقى مُغتَبِقاً مُصطَبِحا

بِتُّ أَهوى في هَواهُ الرُّقَبا

وَأُعادي في غَرامي النُّصَحا

إِن بَدا في الحلَّةِ الخَضرا فَفي

حُمرَةِ الوردِ المُحيَّا اِتّشَحا

غُصنُ بانٍ بانَ يثني عِطفَهُ

وَتَثَنَّى وَهوَ يَمشي مَرَحا

غُنجُ هاروتَ جَفنَيهِ لكَنزِ

وُرودِ الخَدِّ مِنهُ فَتَحا

ريحُ فيهِ كانَ بَخوراً لَهُ

مُذْ تَلا السّحرَ عَلَيهِ اِنفَتَحا

وَاِرتَضى الخالَ عَلَيهِ حارِساً

إِذ لِذا الأَمرِ رَآهُ صَلُحا

وَعَلَيهِ مَدَّ سُوراً حَسَناً

مِن عِذارٍ عِطرُهُ قَد نَفَحا

وَسِنٌ كَحّلَ جَفنَيهِ الكَرى

وَبِسَيفِ السُّهدِ طَرفي اِنجَرَحا

مُذْ رَأى دَمعي دِماءً قَد دَرى

أَنَّ جَفني لِلكَرى قَد رَبحا

وَعَذولٍ غَشَّني في عَذْلِهِ

وَاِدَّعى في لَوْمِهِ أَن نَصَحا

لَستُ أَشكو فِعلَهُ إِلّا لِمنْ

نَحوَهُ جَرَّتْ مَطايا الصّلَحا

الفَصيحُ الشّهمُ ذو النَّظمِ الَّذي

خَرسَت نُطْقاً لَدَيهِ الفُصَحا

أَحمَدُ البرُّ كَذا البَرُّ الَّذي

عَدَّ كَسبَ المَدحِ أَسنى مِنَحا

شَمسُ هَدْيٍ أَشرَقَت أَنوارُهُ

وَلَكم فيها دُجى الجَهلِ مَحا

أَسدٌ لَو لاحَ يُبدي سَطوةً

وَرآها اللَّيثُ مِنها جَمَحا

غارِقٌ في العِلمِ إِلّا أَنَّهُ

في بُحورِ الفَضلِ حَقّاً سَبَحا

ذو بُروجٍ عالِياتٍ ما بِها

طَرفُ بَدرِ الأفْقِ يَوماً لَمَحا

سَمِحٌ في يَدِهِ لَو دَخَلت

هَذِهِ الدّارُ لَفيها سمَحا

إِنْ أَنِفنا بَذلَهُ مِن كَثرَةٍ

فَلَنا الرّغبةُ فيهِ اِقتَرَحا

فيهِ لِلمَجدِ مَجدٌ مِثلَما

يَسعَدُ السّعدُ بِهِ إِن لَمَحا

فلَوِ الفضلُ لَدَيهِ نَصَبت

مُذْ رَأَينا نَحوَهُ الفَخَّ نَحا

لَو عَلِمتُ العشرَ مِن أَوصافِهِ

لَم أُحِط في عَشرِهِ مُمتَدِحا

يا كَريماً مِنهُ مثالي تشتَري

بِيَسارٍ راحَتاهُ المِدَحا

يا حَليماً باتَ يُرجى عَفوُهُ

وَصَفوحاً عَنهُ مُسيءٌ صَفَحا

إِنّني أُهديكَ بِكراً لو بَدَت

في الدّياجي خِلتَها شَمسَ ضُحى

لَو تَلَوناها عَلى الأَعمى رَأى

أَو عَلى الأَبكمِ حالاً فصُحا

أَو قَرَأناها عَلى ذي صَممٍ

لَتَبدّى سَمعُهُ مُنفَتِحا

زَفَّها فِكري عَروساً تَنجَلي

لِحلاها كُن مُقيماً فَرِحا

وَاِبقَ وَاِسلَم بِالهَنا وَالعِزِّ ما

بُلبلُ الدَّوحِ عَلَيهِ صَدَحا