اعترافات مؤجلة لعنترة العبسي

الليلُ توأَمنيْ فَأمْسَى صاحِبيْ

ثمَّ افْتَرقنـا كاهِلًا يَبكيْ صَبِيْ!

هُوَ فَحْمَـةٌ هامَ النَّهـارُ بكُحْلها

وأنا غَريبُ الّلونِ، أنْكرَني أَبيْ

ومَضَى إلى شَأْنِ القَبيلةِ، شاهِرًا

سَيْفَ الفُحولَةِ، تارِكًا قَتْلاهُ بيْ

أُمِّيْ، وَنصْفُ قَصيدَةٍ حُمِّلْتُها

لما سُؤالُ الرَّمْلِ أَنْهكَ مَركَبيْ

فَرجعْتُ تَحمِلُني الجِهاتُ بِلا هُدَىً

أنّى ارتَحلْنا كانَ شرْقِيَ مَغْربِيْ

يمَّمْتُ قلْبي صوْبَ عبْلةَ أرْتَجيْ

نَسَبًا، يُخالِطُ في الموَدَّةِ مَطْلَبيْ

فَلَقيتُ ما لَقِيَ الغَريبُ، كأنَّما

عبْدٌ تَسلَّلَ في عَباءَةِ أَجْنَبيْ!

يا عَبْلَ هذا الشِّعْرُ محْضُ غِوايةٍ

لا دِينَ للشُّعَراءِ فيهِ ولا نَبيْ

شيطانُنا أُنثى، ونحنُ صِغارُها

ما ضَرَّها لو أنَّها لم تُنْجِبِ!

كنَّا سَخِرنا مِنْ مَجـــازٍ يَرْتضي

للْغَيْمِ بيتًا في حِمى «قَمَرٍ غَبِيْ»

لكنَّنا شُعَراءُ، نسْتبكي الدُّمَى

ونَذُودُ عَنْ ذئْبِ الجَمالِ بثعلَبِ

مِنْ كَرْمَةِ الّلغَةِ اعْتَصرْنا شِعْرَنا

في كأْسِ أخْيِلَةٍ دِهاقٍ، فاشْرَبيْ

تَعِبَ الهوَى مِنْ عاشقٍ عَطِشٍ يَرى

أنَّ الجَمالَ بكَفِّ ليلى يختَبيْ

ها أنْتِ في مَعْنى الوَداعِةِ طِفْلَةٌ

مَنْ أوْدَعَ الإنسانَ فيكِ لِتتْعَبيْ؟

عُيِّرتُ، ما انتَبهُوا بأنّي غيْمةٌ

لولا شَديدُ سَوادِها لمْ تَسْكُبِ!

لوْ كانَ لوْني مَذْهبًا لَتبِعْتهُ

لكنَّ سيْفي في الوَقائعِ مذْهَبيْ

وبهِ انتَزعْتُ مِنَ الوَرَى حُريَّتي

وَنَقشْتُ فَوْقَ الماءِ وَجْهَ مُعَذِّبيْ

والآنَ، تُسْلِمُني السَّماءُ لِرمْلِهَا

غِمْدًا بِلا سَيْفٍ يُغبِّرُ مَلْعَبيْ

ها قاتِليْ أعْمَى، رَضيْتُ بِسَهْمهِ

كيْ لا يَرى إغماضَتي وتَقلُّبيْ

كأْسُ المنِيَّةِ، لا مَحالــةَ دونَـهُ

«يا عَبْلَ أينَ مِنَ المنيَّةِ مَهْرَبيْ؟»