غيض الكلام

يا صاحِ هلْ من شاعرٍ أسْرَى بِنا

فوقَ احتمالِ الغَيْبِ أو ما لا يُرى!

خَدعوكَ إذْ صارَ الخيالُ حقيقةً

إنّ السّرابَ إذا دَنوْتَ تَأخّرا

يا صاحِ كمْ في الوهم من قتلى وكمْ

نَطَقتْ قَصائدُنا بقولٍ زُوِّرا؟

ما الشِّعرُ إلا شَكلُنا في مائهِ

هلْ تَعكس المرآةُ إلّا ما تَرى؟

فاحفظْ لسانَكَ إنْ تجلَّتْ خَيْلُهُ

كيْ لا تمَيدَ الخيلُ أوْ تَـتعثَّرا

كَذِبٌ عُيونُ الشّعرِ، لَحْظُ سِهامِها

أبليْنَ قيـْسًا، والسُّليْكَ، وعَنْترا

ما نحنُ في سَطْرِ الخَطابةِ أهلُها

لنكونَ في صدرِ المطايا شَنفَرى

الشّعرُ سحْرٌ، والعَرافَةُ حَرْفُهُ

إنْ أقبلتْ عينُ الحقيقةِ أدبـَراْ

وأنا عَصا موسى أشُقُّ بُحورَهُ

يا ويلَ شِعْري كمْ غَرقْتُ وأبْحَرا!

ما سُقْتُ يومًا زهوَ شِعْري مُكْرَهًا

كيْ لا يكونَ الشّعرُ قولًا مُنْكَرا

أجريتُ دمعَ العاذلينَ ترفُّعًا

عنْ كلِّ حرفٍ في مثالبِهمْ سَرَى

لم أهجُ يومًا مِنْ تأبـَّطَ سيرَتيْ

وهَجوتُ مَنْ باعَ البلادَ وأجَّرَا

فَسمعْتُ هَمْسَ عَواذلٍ في حيِّنا

يَسألْنَ: هلْ أعمى يُنازلُ مُبْصِرا!

أودَعْتُ صَدْرَ الغيْمِ مِلْحَ قصائديْ

فَهَمَتْ على صدْرِ القَوافي سُكَّرا

فاضتْ بهِ الأحداقُ حتى أنَّها

مِنْ فرْطِ جوعِ العينِ سالتْ أنهُرا

ناظرتُ في «الأرضِ اليَبابِ» قصيدتي

غيضَ الكلامُ وما استَوَيْتُ على الثَرى

فرَحَلْتُ عنّي، نحوَ ظنّي مُرغَمًا

لأرُدَّ جَمْعًا قدْ تقَوَّلَ وافتَرى

يا راحلينَ إلى الكلامِ تمهَّلوا

لا مركبٌ في اليمِّ يمشي للوَرا

هيَ رحلةُ السَّهم المفارقِ قوسَهُ

ما عادَ يومًا مُخْبِرًا عمَّا جَرى

فـ «اذهبْ إليكَ» ورُدَّها عن غَيِّها

واهْجُرْ سبيلَ اللَّغوِ حتَّى تُعذَرا