غار ثور

غارٌ ولكن بين جنبيه الوجود يفيض بشرا

قفرٌ ولكن أين منه الروض والأنداء سكرى؟

فهنا رياض الخلد تنفح في بقاع الخلد عطرا

وهنا ربيع الكون في قلبين أخلاقًا وفكرا

غار أفاض على الحياة من الهدى والخير فجرا ولديه أستار

السماء تكشفتْ للعين جهرا

وصحائف الغيب المحجب نُشِّرتْ سطرًا فسطرا

والوحي جلجل في ثراه يزفّ للأرواح بشرى

وضع السكينة في القلوب وشد للعزمات أزرا

كَلمٌ تدفق في شعاب النفس إيمانا وطهرا

كَلمٌ يظل على الدهور وصولة الحدثان نضْرا

خضعت جبابرة الزمان لحكمه طوعًا وقهرا

وأذاب قيد الفكر فاقتحم السدود وجال حرا

جاءت قريش والعناد يحيلها لهبًا وجمرا

وقفت على أعتابه تختال غطرسة وكبرا

يا ويحها لو أمعنت نظرًا لظل الدهر قفرا

من ومضة النور الذي حفل الوجود به وأثرى

رباه ضاق الأمر حتى عادت البيداء شبرا

مادت جنوب الأرض رعباً والسماء تمور مورا

وجوانح الصديق تطفح بالأسى والعين عبرى

يا صاحبان تغربا في الحق وارتضياه ذخرا

وتجنبا متع الحياة تشع إغراءً وسحرا

أمسيتما تحت الثرى في خاطر الظلمات ذكرى

والموت خبأ في نيوب الرقط للأضياف شرا

والبيد تزخر بالعدو ونابه للفتك أضرى

ناجيتما الحيَّات باسم الحق فارتشفَتْه خمرا

سكرت به واستسلمت للخير إعلانًا وسرا

بشرى كما رجع العدو مزودًا ندمًا وخُسْرا

بل بشريان: ليثرب بشرى وللغبراء بشرى