بأبي من زارني ملتثما

بأبي من زارني ملتثماً

وجلاً من رقباء الحرس

فهو كالبدر بدا مبتسماً

يتوارى تحت ذيل الغلس

جال ماء الحسن في وجنته

بين آس وبهار وشقيق

وبدور التم من غرته

تتجلى في صباح من بريق

وشموس الراح من ريقته

في كؤوس من جمان وعقيق

فترى الناس سكارى كلما

أسفرت فوق شقيق اللعس

يا حمى الله حمى ذاك اللمى

من شفاه الناظر المختلس

تعشق الألفاظ معناه فلا

تنكروا في وصفه اللفظ الرقيق

يترك اللب لماه ثملاً

كلما مر بمعناه العتيق

ترشف الأسماع منه غزلاً

كمنت في جسمه روح الرحيق

هل رأيتم أو سمعتم كلما

يثمر الدر بروض المجلس

فلماه قوت روح الندما

وجناه منية المغترس

مستعيراً خصره من جسدي

غصن بان يزدري بالخيزران

كلما يفتر أوهى جَلَدي

بأقاح من ثناياه الحسان

هل رأيتم عسكراً من بَرَد

في ثغور من عقيق وجمان

كلما يبدو لنا مبتسما

يغلب الوجد على المحترس

فاصطباري قد مضى منهزماً

وسلوِّي معرض في عبس

تغرس الآمال في روض المنى

كل حين شجراً لن يثمرا

طالما عللت لحظي بجنى

وجنتيه فاجتنيت السهرا

رقّ في معناه شعري فانثنى

خجلاً قول رئيس الشعرا

هل درى ظبي الحِمى أن قد حمى

قلب صب حله عن مكنس

فهو في حرّ وخفقٍ مثلما

لعبت ريح الصبا بالقبس

بأبي من زارني مختلساً

فرصة من بعد عجز الحيل

ليت شعري مذ تجلى هل كسا

بدمي خدّيه أم بالخجل

يا رعى الله غزالاً ما غزا

مهجة إلا سباها ونفر

إن تثنّى أو رنا أو برزا

ترَ غصناً وظبياً وقمر

فاق في الحسن فلما غمزا

قيل بدر التم في ليل الشعر

ها أنا من حبه مت أسى

وهو عن إعراضه لم يحل

ليته متَّع سمعي بعسى

أن تراني يا حليف العلل

أجتني التفاح من خدّ المليح

إن تبدّى بأكف الحدق

وأرى من ذلك الوجه الصبيح

فلقاً ينسخ نور الفلق

آل ودّي أن لي قلباً جريح

هائماً في حبكم لم يفق

فارحموا بالوصل صباً يئسا

من سوى السقم وقرب الأجل

فهو ساه ساهر ما أنسا

بأنيس بعدكم يا أملي

ضاع صبري في هوى الغزلان ضاع

وهو لم يسعفوا قلبي بشيّ

تركوني هائماً يوم الوداع

وكووا قلبي بنار الهجر كي

شاع شأني فيهم بالحب شاع

وأبوا أن يعطفوا يوماً عليّ

فمنامي من جفوني خلسا

وغرامي زائد لم يزل

آه من ذكر زمان عبسا

وتولى بعد صفو مقتل

يا أهيل الودّ قد ذاب الفؤاد

من لظى الهجران والدمع رقا

هل ترى ترجع أيام الوداد

ونعود مثل ما قد سبقا

ويرى طرفي عياناً من أراد

وأراني طيبه منتشقا

وترى منه إقاحاً حرسا

ذلك الريق الشهي السلسلي

وأرى طرفاً سقيماً نعسا

فاخر الكحل بغنج الكحل

ليته أبقى لعيني الوسنا

علني أحظى بطيف الحلم

فاشتياقي قد أضرّ البدنا

وبكائي شاب دمعي بدمي

يا لصب ذاب وجداً وضنا

وأسير في قيود الألم

قال بعض الناس لما أنسَ

حرق الشوق وفرط العلل

اعتزله فلقد ذبت أسى

قلت دعني لست بالمعتزلي