نفذ القضا من أوج ذلك المنبر

نَفَذَ القَضا من أوج ذلكَ المِنبَرِ

فاصبِرْ على بَلواكَ أولا تصبِرِ

ولقد أَتَى ما لَسْتَ تملِكُ بعدهُ

غيرَ البُكاءِ ولوعةِ المتحسِّرِ

يا أيُّها العَينُ التِّي تَبكي عّلى

فقْد الحبيبِ بدَمعِها المتّحدِّرِ

تبكينَ هذا اليومَ لكن في غدٍ

يُبكَى عليكِ وهكذا لم تخسَري

نَنهَى عن الحُزنِ المُذيبِ قلوبَنا

مثلَ النَّديمِ يَعيبُ شُربَ المُسكِرِ

إنَّ اللِّسان يُطيعُ أمرَ نصيحهِ

والقلب يَنبذهُ كمَن لم يُؤْمَرِ

يا راحلاً كَسَرَ الخواطرَ قائلاً

إنِّي حَلَفتُ عليكِ أن لا تُجبَرِي

تَسقِي مدامُعنا ثراكَ فإنَّها

أصفَى وأفضلُ مِن مياهِ العُنصُرِ

لو تُشتَرَى يا أيُّها القمرُ الذي

ذاقَ الخُسوفَ لتَمَّ سعدُ المُشتَري

هيهاتِ قد عزَّ الفِداءُ فخابَ مَن

يَفدي ولو أعطَى مَمَالِكَ قيصَرِ

داءٌ قديمٌ كم لهُ من حسرةٍ

في كلِّ قلبٍ من خَوالي الأدهُرِ

قد حيَّرَ الألبابَ في أحكامهِ

وأضاعَ رُشدَالفيلسوفِ الأكبرِ

يعفو عن الشَّيخِ المكبِّ على العَصا

عجزاً ويفتُكُ بالغُلامِ الأصغرِ

يا يُوسُفَ الحُسنِ البديعَ جَمالُهُ

ماذا أصابَ جَمالَ ذاكَ المنظرِ

في السِّتِّ عَشْرَةَ من حياتِك عِفتَهَا

كالبدرِ يَخسِفُ في انتصافِ الأشْهُرِ

ولقد رحلتَ بلا وَداعٍ ضارباً

ميعادَ تسليمٍ ليومِ المحَشرِ

فارقتَ دُنياكَ بلا وَداعٍ طالباً

دارَ النَّعيمِ فكانَ أربَحَ مَتْجرِ

وعلمتَ أنَّكَ لا مَحالَ مسافرٌ

فقصدتَ تسلُكُ في الطَّريقِ الأقصرِ

هذا الذي خُلِقَ العبادُ لأجلهِ

فالحيُّ يُحسبُ ميِّتاً لم يُقبَرِ

أعددْ لطفلِكَ نعشَهُ مَعَ مَهدِهِ

فَلقد يُضَمُّ كلاهما في المَحضَرِ

يا أيُّها الباكي على مَن باتَ في

دارِ السَّعادةِ كُفَّ دمعكَ واقصِرِ

قد فاز بالمُلكِ المُعَدِّ لمِثلِهِ

والمُلْكُ عادةُ يوسفٍ فاستبشِرِ