ورد الكتاب فضاع طيب نشره

وَرَدَ الكتابُ فضاعَ طيّبُ نَشرِهِ

وطَرِبتُ قبلَ نظامهِ من نثرِهِ

أحيا بزَورتهِ الفُؤادَ كأنَّما

في كلِّ سَطرٍ وجهُ كاتبِ سطرِهِ

شخَصَتْ لهُ أبصارُ عينِ محبِّهِ

حتى كأنَّ سَوادَها من حِبرِهِ

وتذكَّرَ العهدَ القديمَ متيَّمٌ

لَقِيَ الجِنايةَ والجَنَى من ذِكرِهِ

يا مَن يطارحُني القريضَ فكاهةً

هيهاتِ قد ذَهَبَ القريضُ بعصرِهِ

والشعِرُ من أرَبِ الصَباءِ وأين لي

أسفاً ومَن لي بالصَباءِ وشعِرِهِ

غَلَبَ المشيبُ على الشَبابِ بأبيضٍ

ذَلِقٍ فصارَ سوادُهُ في أسْرِهِ

ضيفٌ على رأْسي حَمَلتُ ثقيلَهُ

وقَريتُهُ طِيبَ الحياةِ بأسرِهِ

ولقد عَجِبتُ لمادحٍ لم يَهْجُني

كَرَمُ الطبيعةِ كانَ آيةَ عُذرِهِ

أمسى يَشُقُّ عليَّ تسليمٌ لهُ

ويَشُقُّ إنكارٌ لِرِفعةِ قدرِهِ

خَبَرٌ تداوَلَهُ الرُواةُ فأكبروا

وهوَ الصغيرُ إذا هَمَمتَ بخُبْرِهِ

لا تُعطِ حُكمَكَ ما بدا لكَ أمرُهُ

حتى تقومَ على حقيقةِ أمرِهِ

خيرُ الكلامِ كلامُ صِدقٍ نافعٌ

وأجلُّهُ في الشِعرِ فَهْوَ كذُرخرِهِ

مَن ضاعَ أكثرُ شِعرِهِ في باطلٍ

فكأنما قد ضاعَ أكثرُ عُمرِهِ

مرَّتْ بناصيتي الخُطوبُ فراعَها

جَلَدي وروَّعني الزَمانُ بمكرِهِ

ولَرُبَّما سَلِمَ الفتى مِمَّا دَرَى

ورَمَتْهُ داهيةٌ بما لم يَدرِهِ

ولَرُبَّ أشْيبَ في الكُهولةِ غافلٌ

ولَرُبَّ أمرَدَ عاقلٌ في صِغْرِهِ

هيهاتِ ما قلبُ الفتَى في سنِّهِ

أبداً ولكنْ قلبُهُ في صَدرِهِ

يا مَن رَضعتَ الحِلمَ من أفواقِهِ

ورَبيتَ في مَهدِ الكمالِ وحَجْرِهِ

قد نِلتَ ما مُنِعَ الكثيرُ وطالما

فَضَلَتْ ليالي الدَهرِ ليلةُ قَدْرِهِ

والنَّاسُ منهم كاسبٌ قد غاصَ في

خيرِ الزَّمانِ وخاسرٌ في شرِّهِ

فإذا اعتبرتَ الجانبَينِ كِلَيْهما

أقصَرتَ عن شكوى الزَمانِ وشُكرِهِ