في جبال الشمال

 عُدْ بنا يا قطار ْ

فالظلام رهيبٌ هنا والسكونُ ثقيلْ

عُدْ بنا فالمدَى شاسعٌ والطريقُ طويل

والليالي قِصارْ

عدْ بنا فالرياحُ تنوحُ وراءَ الظلالْ

وعُواءُ الذئابِ وراءَ الجبالْ

كصراخِ الأسى في قلوبِ البشرْ

عُدْ بنا فعلى المنحدَرْ

شَبحٌ مكفهرٌّ حزينْ

تركتْ قَدَماهُ على كلِّ فجرٍ أثرْ

كلُّ فجرٍ تقضّى هنا بالأسى والحنين

شَبحُ الغربةِ القاتلهْ

في جبال الشّمالِ الحزينْ

شبحُ الوَحدةِ القاتلهْ

في الشمالِ الحزينْ

عد بنا قد سئمنا الطَّوَافْ

في سُفُوحِ الجبال وعُدْنا نخافْ

أن تطولَ ليالي الغيابْ

ويغطي عُوَاءُ الذئابْ

صوتنا ويعزُّ علينا الإيابْ

عُدْ بنا للجنوبْ

فهناكَ وراءَ الجبالِ قلوبْ

عدْ بنا للذينَ تركناهُم في الضبابْ

كلُّ كفٍّ تلوِّحُ في لهفةٍ واكتئابْ

كل كفٍّ فؤاد

عدْ بنا يا قطارُ، سئمنا الطَّوَافَ وطالَ البعادْ

وهنالكَ همسٌ عميقْ

لاثغٌ خلفَ كلِّ طريق

في شعابِ الجبالِ الضِّخامْ

ووراءَ الغمامْ

في ارتعاشِ الصَّنَوْبرِ، في القريةِ الشاحبهْ،

في عُوَاءِ ابن آوى، وفي الأنجمِ الغاربهْ،

في المراعي هنالكَ صوتٌ شَرُودْ

هامسٌ أن نعودْ

فهناكَ بيوتٌ أُخَر

ومراعٍ أخرْ

وقلوبٌ أخرْ

وهناكَ عيونٌ أبَت أن تنامْ

وأكفٌّ تضمُّ الدُّجَى في اضطرامْ

وشفاهٌ ترددُ أسماءنا في الظلامْ

وقلوبٌ تُصيخُ لأقدامنا في وُجومْ

وتنادي النجومْ

في أسًى وسكونْ:

“ومتى يا نجومُ سيذكرنا الهاربونْ؟”

“ومتى يَرْجعونْ؟”

لحظةً، سنعودْ

لن يرانا الدُّجَى ها هن، سنعودْ

سنعودُ، سنطوي الجبالْ

ورُكَامَ التلالْ

لن ترانا ليالي الشمالْ

ها هنا من جديدْ

لن يحسَّ الفضاءُ المديد

نارَ آهاتِنا في المساءِ الرهيبْ

في سكونِ المساءِ الرهيبْ

**

عُدْ بنا يا قطارَ الشمالْ

فهناكَ وراءَ الجبالْ

الوجوهُ الرقاقُ التي حجَبَتها الليالْ

عُدْ بن، عُد إلى الأذرُعِ الحانيهْ

في ظلالِ النخيلْ

حيثُ أيامُنا الماضيهْ

في انتظارٍ طويلْ

وقفتْ في انتظار

تتحرى رجوعَ القطارْ

لتسير مع السائرينْ

حيثُ أيامُنا تسألُ العابرينْ

واحدً، واحدً، في حنينْ

“ومتى عودةُ الهاربينْ؟”

**

لنعُدْ فهناكَ نشيد قديمْ

حولَنا هامسٌ بالرُّجوعْ

ما أحبَّ الرجوعْ

بعد هذا الطوَاف الأليمْ

في جديبِ الشِّعابْ

حيث تَعْوي الذئاب

لنعدْ، فالدُّجَى بارد كالجليدْ

وهنالكَ خلفَ الفضاءِ البعيدْ

أذرعٌ دافئهْ

لنعدْ فالجبالُ تكشِّرُ عن ليلها المظلمِ

وهنالكَ خلفَ الدُّجَى المبهَمِ

صوتُ أحبابن، في الظلامِ السحيقْ

نابضًا بالحنينِ العميقْ

صوتُهم مُثقلاً بالعتابْ

صوتُهم ردّدته الشِّعابْ

صوتُهُم في سكون المكانْ

دائرٌ كالزمانْ

لنعُدْ قبلَ أن يقضيَ الأفعوانْ

بفراقٍ طويلٍ، طويلْ

عن ظلالِ النخيلْ

عن أعزائنا خلفَ صمتِ القفارْ

عدْ بنا يا قطارْ

فالليالي قصار

وهنالكَ أحبابُنا في أسًى وانتظارْ

[ سرسنك، 1948 ]