إلام أداري الجسم حرصا وأتعب

إلامَ أُداري الجِسمَ حِرصاً وأَتعَبُ

ولا بُدَّ أَن يَنحَلَّ هذا المُركَّب

جعلتُ حِمامي نُصبَ عيني لِأَنَّهُ

قَضاءٌ إِلهِيٌّ فَما عنهُ مَهرَبُ

على أَنَّ حُكمَ الموتِ دَينٌ مؤَجَّلٌ

وعمَّا قليل بل قريبٍ سيُطلَبُ

فرُبَّ كريمٍ ما لهُ من مُدافع

وليسَ لهُ يوماً سِوَى النفس مَطلَبُ

أَتزهو بعُمرِ آنَ جُرفُ نَهارهِ

وعن كَثَبٍ يندكُّ وَشكاً ويَخرَبُ

أَتمرَحُ في الدنيا كأَنَّكَ خالدٌ

وتَلهُو بِما فيها وتَصبو وتَلعَبُ

تَيقَّظ وتُب قبلَ المَنُونِ وقبلَما

ذُكاءُ نَهارِ العُمرِ بالمَوتِ تَغرُبُ

لقد وَجَبَ الاعداءُ فالموتُ واجبٌ

على كل نفس مُوجَبٌ ليسَ يُسلَبُ

فأَينَ مُلوكُ الأرضِ طُرّاً وأَينَ مَن

اهالوا قُلوبَ الناسِ بأساً وارعَبُوا

وأينَ الذي قد كانَ تَرغَبُهُ الوَرَى

فأَمسى دفيناً في الثَرَى عنهُ يُرغَبُ

وأينَ الذي أَفنَى الزمانَ تَكالياً

على المال يَجني بالحَرام ويَنهَبُ

وأينَ الأُولى سادوا الأَنام وشيَّدوا

قُصوراً لقد أمسَى بهِ البُومُ يَنعَبُ

لقد حُصِدوا بالموتِ كالزَرعِ ذاوياً

وأَحرَزَهم قبرٌ بهِ قد تغيَّبوا

فطُوبى لَمِن بالموتِ كانَ هذيذُهُ

ورَعياً لَمِن وَفدَ الرَدَى يَتَرقَّبُ

تُخاطِبُنا الدُنيا ولكن بِلا فمٍ

ويُملِي لِسانُ الحالِ منها ويُسهِبُ

وتَصدَعُنا بالنائباتِ بلا يدٍ

وتَردَعُنا في صَرفِها وتُؤَنِّبُ

أَزِل سَبَباً عنهُ السُقوطُ مُسبَّبٌ

إذا زالتِ الأَسبابُ زالَ المُسبَّبُ

ولا تَصحَبَن إلَّا كريماً مُهذَّباً

فخَيرُ الأُصيحابِ الكريمُ المهذَّبُ

وإِيَّاك والمَينَ الذي لم يَفُه بهِ

سِوى جاهلٍ فالصِدقُ أَحرَى وأَصوَبُ

فما كاذبٌ إلَّا سخيفٌ بعقلِهِ

مُهانٌ وضيعُ الشأنِ عانٍ مُعَذَّبُ

ويكفيهِ بينَ الناسِ عارٌ بأَنَّهُ

إذا فاهَ قالوا قد يَمِينُ ويَكذِبُ

حَيَوةُ الفَتَى هِي شأنُهُ إِنَّ مَن غدا

ولا شأنَ يُحيِيهِ لهُ الموتُ أَنسَبُ

فأَيَّامُنا سبعونَ عاماً وإِن تَزِد

بذي قُوَّةٍ فَهيَ البَلاءُ المعذِّبُ

فحتَّى مَتَى تَزهُو وتَلهُو وموتُنا

من الجَفنِ للعَينينِ أَدنَى وأَقرَبُ

فصَبغتُنا بالماءِ والرُوحِ تعتني

بها النِعمةُ الأُولى وللبِرّ تُكسِبُ

وإِمَّا خَسِرناها فلا شيءَ بعدَها

سِوَى توبةٍ والقلبُ كالماءِ يُسكَبُ

فبابُ الخَلاصِ الأَوَّلُ البِرُّ إِن يَزُل

فثانيهِ قلبٌ بالنَدامةِ يُسكَبُ