طريقك خضراء

وأغمض للنوم العيون وإنني
أكابد صحواً في الضمير ، يدمّرُ
ويضغط كابوس الفجيعة أضلعي
فأمتصُّ حزني في هدوءٍ ، فيعبرُ
أحاور أشواقي إلى النور ساعةً
وأرجع مدحوراً لصمتي أثرثرُ
وأكره نفسي حين تخذل موقفي
وأعبس في المرآة ثم أُجرجرُ ،
بقايا حواري في سكونٍ وأمتطي
بقية أحلامي ، وليلي ، وأُدْبِرُ
نشرتُ شراعي فوق موج مواجعي
و أعملتُ مجذافي بموجي َ أمخرُ
اُقلّب ُ في أرجاء أفقيَ ناظري
فأسرح حيناً ثمّ أصحو فأنظرُ
لأبصر صعلوكاً تقطّع قلبُهُ
وذاب ، فلا يشكو ولا يتذمّرُ
وقد سئم التجوال بين حروفهِ
فمال على نزف الجراحات يسكرُ
وأغلق أبواب الحياة وراءهُ
ليطرق أبواباً تَعِلُّ وتقهرُ
أيا أنتَ ، عدَّتْكَ العيوبُ جميعُها
فما في ما فعلتَ اليومَ منْ ليس يعذرُ
طريقك خضراءٌ ، ودربك سالكٌ
فسرْ فيه لا تلوي ولا تتستّرُ
ودع عنك ما الأقلام فيك تقوله ُ
وما الصحب ُ عن بوح الجراح ، تُحبّرُ
وظلَّ معي ، فالشعر أقبل غيمُهُ
وأمطارهُ فوق السطور تُهَرْهِرُ
سأترك نفسي للتداعي هنيهةً
وأنفث ما بالبال لحظةَ يخطرُ
وأترك أسرار البلاغة جانباً
أجانب ما سحر البيان يصوِّرُ
أيا أنتَ ، ما جاوزتَ حدّكَ ، إنما
كسرتَ قيوداً لم تكن تتكسَّرُ
وأعلنتَ أن الشعر فيض مشاعر
وأن حدود الشعر ، للشكل منظرُ
وفلسفتَ أوجاعاً ، وأعولتَ باكياً
وما كنتَ إذ فجَّرْتَ صدرك ، تهذرُ
كأني بنيران اشتعالك ولولتْ
وأزّتْ وفزّتْ واستعزّتْ تزمجرُ
تريد لك استرداد مجد ٍ مؤثّلٍ
فتفتح أنت الصوت رعداً وتزأرُ :
(أمرتهمو أمري ) فجاوبني الصدى
(فلم يستبينوا الأمر ) حتى تبعثروا
وهل أنا إلا من ( عروبة َ ) إن بكت ْ
بكيت ُ ، وإذ تزهو ( عروبة ُ ) أُزهرُ
حرثتُ كثيراً في العقول مرجّياً
مواسم عزٍّ بالمآثر ، تثمرُ
فما راعني إلا انكفاءُ فوارسٍ
وإدبارُ مجدٍ بائسٍ يتعثرُ
فأعلن قلبي للحداد خُفُوقَهُ
وبات على نبض العروبة يحجرُ
وطاوعت قلبي في هواه فأقبلتْ
بقيةُ عقلٍ كان عندي تزمجرُ :
تجاوزت َ حدَّ البوح ، قَدْكَ توجُّعاً
فمثلُكَ من يطوي الجراحَ ويصبرُ
فكم غار نصلٌ فيك أنت صقلتَهُ
وراشكَ سهمٌ كنت أنت تُوَتِّرُ
فضمّدتَ في صبرٍ جراحك صامتاً
وعُدْتَ ، كما دوماً ، جناحَكَ تنشرُ !!
- Advertisement -