الوصية

إلى جنّة الصّبا بغزةَ ميلي

وفي ظلِّ برتقال فاطمَ قيلي

وفي صحنِ دارهِا أسجُدي وأطيلي

وفي مرقديها بالعيونِ أجيلي

ومن خبزِها ائتني ولو بقليلِ

ومن مائِها ولو بكفّكِ كيلي

وتحْت نعالِها التقي بأصولي

ومن طرفِ ثوبِها اظفَري بسحيلِ

وفي حِجْرها اصطلي بشمسِ أصيلِ

وقاضي الهمومَ واطرُدي وأقيلي

وتحتَ جفونها اهتدي بسُهَيلِ

إلى بلدتي وفي الشّوارع جُولي

وبوسي التّرابَ والذّؤابَ وقولي:

أيا عُزوتي ضعتُ وضاعَ سبيلي

ومنها لفردوسِ الطفولةِ حولي

ولا تكبري فالشّيبُ محضُ خذولِ

وفيها اشمُخي كما الجبالِ وطولي

ومنها ارقُبي وجهَ الكريمِ وأولي

فإن قُدّرَ الموتُ فموتي بأرضِها

فذاك انتصارٌ لم أنلهُ فنُولي

فإن لم يغثكِ سيفُ خصمٍ لها به

فغدرُ بني الأعرابِ شرُّ بديلِ

طرائدَ موتٍ أصبحتْ حيواتنا

وما صدّهُ عنها اشتدادُ عويلِ

خلا هذه التي أطعتُ فكلّما

تراءتْ له انحنى لها كذليلِ

فلما سألته أجاب: كأنّها

أنا أم كأنّني برسمِ مَثيلي

فلمّا تجاوزتْ ترقرقَ دمعهُ

وقال ارسليهِ للتّرابِ و هيلي

فلا تسألي عمّن به ساءَ حظّكِ

وما كنْتهِ بهِ لخيرُ دليلِ

ولا ترجعي إليّ بعد رحيلِ

فإني انقسامٌ بات دونَ حلولِ

وإنّي كما العُرْبِ حطامُ نخيلِ

وأرضي مفازةٌ لكلّ دخيلِ

ونجمٌ قديمٌ بانتظارِ أفولِ

يُشدُّ بثقبٍ أسودٍ وأكولِ

وما عدتُ كفؤا في عيونِ قبيلي

ولا عدتُ أحظى بينهم بقبولِ

ولا عدتُ في الصولِ كخيلِ عُبيْلِ

أيُدخلُ مضمارُ السّباقِ بفيلِ؟!

وإذ بعتُ رُشدي وشريتُ ذهولي

فما عادَ فيْ قولِي شفاءُ غليلِ

مررتُ بأحلامِ الطّفولةِ والصّبا

فما أذِنتْ ولا قضتْ بدُخُولي

وعدتُ الى موت الحياةِ وإذْ به

أحيط بأغوالٍ تسدُّ سبيلي

فلستِ أنا ولا أنا أنتِ واهجُرى

فبين يديِّ اللهِ حانَ مُثولي

وها أنت بين جنّتين ففاضلي

ولا تهجري فتندمي وتعولِي