نسوة الحي الشرقي

نسوةُ الحيِّ ما توقّفْنَ ليلة

والزّغاريدُ تملأُ الشّرقَ كلَّهْ

أيقظتْ زغاريدُهنَّ البروجَ

والكواكبَ السَّبعةَ والأهلَّة

فاكتستْ أثوابَ الضّياء قُراها

كي تجيبَ شرقاً حدا الحسنُ ظلَّهْ

فنكى نبضُ القلبِ أطوارَ عقْلٍ

كان باجتنابِ الهوى ما أقلَّهْ

فانتهى بي عبدُ الهوى بينَهنَّ

دونما استئْذانٍ كغُفلٍ تبلَّهْ

قذفتْ أحلاهنَّ سحراً بعيني

فأصابَ منها غطاها فشلَّهْ

منْ هيَ الأحْلى؟! ذاك لغزٌ شقيٌّ

ما أردتُ في زحمةِ الحسْنِ حلَّهْ

فجعلتُ منّي غلاماً ومن عشْ

قي أسيرَ فنجانِ بنٍّ ودلَّهْ

كلّما مُدَّتِ اليمينُ لِطلَّة

جاد رمشٌ بخمرة العينِ طَلَّة

نسوةُ الحيِّ هنّ دينُ الجمالِ

ما توخَّى يوماً سِواهنَّ ملَّة

ظلّ حتى بُعثنَ دون إمامٍ

أو دليلٍ فكنَّ هنّ الأدلَّة

ما كفى حُسنهنَّ نظمُ القوافي

أو رُسوماتُ مُلهَمٍ في مجلَّة

أو أنينُ الناياتِ في الأغنياتِ

أو قروحٌ في جفنِ صبٍّ تولَّهْ

لسن بيضاً ولسن سوداً وهنّ

بينَ هذا وذاك غِيْدُ الجِبِلَّة

يا لهذا الحسنِ الّذي لا يُلامُ

إنْ تنبّى أو أسْرفَ أو تألَّهْ

يا لهذا الحُسنِ الّذي لا يَشيخُ

إنْ وهَى الجِسمُ أو حنَى العمْرُ ظِلَّهْ

كمْ وودتُ منه على الخدِّ قبلَة

ما نهَى اللهُ عن شِفا بلْ أحلَّهْ

نسوةُ الحيِّ بَيْنهُنَّ وبينَ

اللهِ وَصلٌ يحْفظْنهُ العُمرَ كلَّهْ

يمكثُ الخيْرُ في دُعاهنَّ لولا

هُ لمِتْنا من قلّةٍ أوْ بِعِلَّة

نسوةُ الحيِّ في دماهُنَّ مجدُ

العُرْبِ لولاهُ لارتَضيْنا المَذلَّة

يتوارثْنَهُ كتاباً وسنَّة

عبرَ دهرٍ لمْ يُبقِ ذكرَ الأجِلَّة

قدْ حفِظنَ حروفَه كالكتابِ

لو أُضيعَ ما ظلّ معنىً محلَّهْ

ما تخلَّفْنَ مرةً عن نزالٍ

كنَّ فيهِ لمّا التظىْ خيرُ ثلَّة

ثمّ لمّا ولَّى زمانُ الرّجالِ

ما ارتضيْنَ سِلْمَ الأفاعي وذُلَّهْ

نسوةُ الحيِّ لسْنَ ثلثاً ولا نصْ

فاً وما عُدنَ في سُما الحيّ قِلَّة

إن تُعدُّ العقولُ دون البُطونِ

فالجمال حتماً سيغزو سِجلَّهْ

نسوةٌ لم تزلْ مُنى شمسَهُنَّ

صُنع ربٍّ سُبحانه ما أجلَّهْ

ما جَمعنا لهنّ إلّا كلاماً

لا يبارحُ اللّسْنَ إلّا كزلَّة

سمِعَ الجاهلونَ بقولِنا فاسْ

تثقلوهُ وردَّدُوا: ما أضلَّهْ؟

فرددنا عليهمُ القولَ: حيٌّ

لسْنَ أصلُ بُنيانهِ ..ما أضلَّهْ