إسراء إلى صلوات الروح

وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ

فاذهبْ أنتَ وما يَعُروكَ

مِنَ الذَّوبانِ على أعتابِ الطيفِ

إلى المعسولِ مِنَ الأحلامِ..

ولا تَتَأخّرْ في تمويهِ الحزْنِ

بِغُرْبةِ أفراحِ الأطفالِ

أمامَ عُبوسِ الشمسِ

وزَمْجَرَةِ الْقمرِ المحروقِ..

فما لي مِنْ عَتَبٍ أُلقيهِ عليكَ

وَلَيْسَ عليكَ مِنَ التكليفِ

سَوَى التَّلْطِيفِ

هُنَا فِي جَوِّ الأَبْخِرَةِ السَّوْدَاءِ

تَجَلَّدْ يَا صَوتَ أَنَايَ!

تَأَبَّدْ فوقَ الأفلاكِ

وَمَا يَتْبعُهَا مِنْ سُحُبِ الْمَجْهُولِ..

أَمَامَكَ تَلْهَثُ آفاقٌ..

وصُدورٌ تَزْفِرُ مَا يُنْعِشُ كُلَّ الأحياءِ..

وأنتَ الحيُّ..

بما أُوتيتَ منَ الشَّغَفِ الْفِطْرِيِّ

بِمَاءِ الْهجرةِ..

هَاجِرْ حتّى تَهَبَ الأرضُ لكَ الْمَحْجُوبَ

مِنَ الْمَكْتُوبِ..

وحتّى يَنْبَسِطَ الْمُتَرَاكِبُ

مِنْ أيّامِ الحُبِّ..

وتبكي كُلُّ عُيونِ الْحُسْنِ

قصائدَ رُوحِكَ..

لاَ تَتَأخَّرْ في تَمْويهِ الحُزْنِ

ببعضِ الزُّخْرُفِ..

حانَ الوقتُ لكي يبتسمَ الكونُ

لدى إشراقِكَ

مِنْ عَيْنَيْ سمرائِكَ

تلكَ الجَذْلى

رغمَ أنينِ سَنَابِلها في الليلِ..

ورغمَ بُكَائِكُمَا الْمُتَواصِلِ في الأعيادِ..

تَرَاهَا تَحْمِلُ مَا يترامى

مِنْ كُثْبَانِ جُنُونِكَ

في لحظاتِ عويلِ الأعصابِ

وخَوْفِ الفاقدِ

أنْ يَتَمَادَى عَطَشُ الْفَقْدِ

فيغرُفَ آخرَ جُرْعَةِ ماءٍ

فِي جَوْفِ الإحساسِ

فَيُلْقَى كالمنبوذِ على أرضِ الْخُسْرَانِ..

تَراهَا تَرْفُو مَا يَتَشقَّقُ

مِنْ إِسْتَبْرقِ حُبِّكُمَا..

وتُذَهِّبُ مِنْ جَدْوَلِ بَسْمَتِهَا العيشَ

فَتَزهُو بينَ الليلِ ومَا يَتْلُوهُ

جميعُ خلايانا وتُصفِّقُ

لِلْخَدَرِ الحيويِّ

يَفيضُ على الرُّوحِ الْمُنْسَابةِ

حتّى آخر قَصْرٍ في أعماقِ البحرِ

تُعانقُ فيهِ الحُوريّاتُ مَصَائِرَهُنَّ..

ولا يُكْثِرْنَ مِنَ الإعراضِ عنِ الملهوفِ..

يَزِدْنَ البحرَ مُسَالمَةً للنَّاسِ..

يُعِدْنَ السُّفُنَ

يُعِدْنَ الْمُدُنَ

إِلَى الأصحابِ..

يَقُلْنَ الشِّعْرَ..

وَيَذْكُرْنَ التَّاسعَ مِنْ شهرٍ ميلاديٍّ

حيثُ تَأَرَّجَ منكَ الشَّوقُ

فَرُحْتَ تَحُثُّ العامَ الثالثَ مِنْ ذِكْرَاكَ

لِيَجْرِي بِخُطَاكَ إِلى المولودةِ

تبكي مَعَها بضْعَ هُنَيْهاتٍ

وَتُسَافِرُ وحدَكَ..

تَسْكُنُهَا..

وَتُراكِمُ خلفَكَ مِنْ أيّامِ التَّوْقِ

أنيناً وقصائدَ لا تَتَخلَّى

عَنْ تسبيحِ اللهِ بوجهٍ

يَخْلُقُ في فَلَواتِ شُعُورِكَ

سِرْبَ فراشاتٍ وحمائمَ

هامتْ في عَبَقِ الأسْرَارِ

وإيقاعِ الأملِ المُتَوقِّدِ بينكُمَا

منذُ حُلُو لِكُمَا بَدْرَينِ

لِشمسٍ واحدةٍ في فَلَكِ الحُبِّ..

وها قَدْ عُدْتَ إليها الآنَ

وَقَدْ عادتْ تلكَ المولودةُ

حاملةً كُلَّ الْمُتَمَنَّى..

فَلْتَهْنَأْ فِي رَشْفِ الْمَعْنَى..

وَلْتشكُرْ مَنْ فَاضَ عليكَ

وَجَلاَّهَا مَا بينَ يديكَ

وَأعْطَاهَا بَسْمَتَهَا الْوَسْنَى..

حَتَّى تُخْضِعَ مَنْ يَتَمَرَّدُ فِي مملكةٍ

منذُ ابتدأَ العالمُ تُبْنَى..

كانتْ تَنْسُجُ ثَوْبَ حَنينِكَ

تَفرِشُ سَجَّادَ الْمَعْسُولِ مِنَ الأحلامِ

تُهَيِّئُ مَأْوَى لأَمَانيكَ..

وتُعْلِنُ فِي التَّاسِعِ مِنْ شهرٍ ميلاديٍّ

لِمَرَايَاهَا أَنَّكَ آتٍ

بعدَ هيامِكَ فِي غاباتِ الْفِتْنَةِ

وَتَنَاسِيكَ العامَ الثَّالثَ مِنْ ذِكْرَاكَ

وَقَدْ أغراكَ نَدَاهَا الأسمرُ

يومَ نَهاكَ عنِ الجَرَيانِ

إِلَى الصَّحْرَاءِ لِتَهْلِكَ فيها..

كَانَتْ تعرفُ مَا يُنْجِيكَ

وَمَا يُبْقيكَ على قيدِ اللغةِ الشِّعْريّةِ

وَالإِسْرَاءِ إِلَى صَلَواتِ الرُّوحِ

أمَامَ الأَحْرُفِ

كي تَتَخَلَّقَ جَنَّاتٍ وَعَذَارَى

يَبْدَأُ مِنْ وَرْدِ ضَمَائِرِهنَّ الْعَيْشُ

وَيُخْتَتَمُ الْقَلَقُ الْمُتَراكمُ منذُ وُجُودِكَ..

كَمْ يَتَأَرَّجُ مِنِّي الشَّوْقُ

لأَعْرِفَ أكثرَ مِمَّا أعرفُ

عَنْ ميلادِكِ فِيَّ..

وَعَنْ سَفَرِي مَا بَيْنَ يديكِ

إِلَى عينيكِ لأُولَدَ ثانيةً

وَأَموتَ لأُولَدَ

أكثرَ نُوراً وَحِكَايَاتْ!..