كانت هنا ومؤكدات أخرى لأحوال أكيدة

حُبٌّ كانونيُّ الآهِ..

وعامٌ آخرُ يأتي بِسُكُونٍ

يَمْلَؤُهُ الصَّخَبُ المُترامي حَوْلي

فَرَحاً بِرَحيلِ الأيامِ الأَغْلَى..

بِرَحيلِ الطاولةِ البيضاءِ

عليها آثارٌ مِنْ حُزْنِكِ حينَ ذَهَبْتِ..

لأُقْسِمُ أَنِّي قَدْ شَاهدتُ ملائكةً

تَسْرَحُ بينَ زبائنِ هذا المقهى

تبحثُ عَمَّنْ ذَهبتْ دُونَ رَفيقٍ..

كي تُعطيهَا آثارَ الحُزْنِ الفَاتنِ

أو تُخْبِرَهَا أنْ تَرْجِعَ في يومٍ آخَرَ

حتّى يَتَمازَج حُزْنَانِ غريبانِ شَهِيَّانِ

وَأَيلُولْ!..

لكنْ عادتْ بعدَ مُرورِ ثلاثِ سجائرَ

ودَنَتْ منِّي..

هَمَسَتْ في رِئَتَيَّ هواءً..

ثُمَّ رَمَتْ لي آثارَ الحُزْنِ وطارتْ..

طارتْ حتّى حَتَّ العِطْرُ النّازِفُ

منْ أجنحةِ النُّورِ صُخُورَ الأَمْسِ..

ونمتُ سعيداً ليلتَها

حتّى بَزَغَ الواقعُ في الأحلامِ

وشيءٌ فيَّ يَئِنُّ ويَرنُو بِذُهُولْ..

مالي الآنَ وأيلولْ!..

كنتُ أقولُ بِحُبٍّ كانونيِّ الآهِ

وعامٍ يأتي مُلْتَهِبَ الأعصابِ..

ومازلتُ وحيداً وقويّاً وطويلَ القامَةِ..

لا أَخْسَرُ رُوحي مِنْ أَجْلِ سَرابٍ

والريحُ أُكَوِّرُهَا بينَ يَدَيَّ

وأَرْميها لِلْخَلْفِ..

وَأَنْسى الماضِينَ..

وأُحْيي بينَ غُصُونِ الجُرْحِ

العُصْفُورَ المَقْتُولْ..

كنتُ سَأَبْسُطُ رُوحي بَرَّاً

لَلْقَدمَيْنِ الخَائِفَتينِ منَ المجهولْ..

لكنْ حينَ يُهاجِرُ ماءُ البحرِ وماءُ النهرِ..

وتَنْقِرِضُ الأحياءُ المائيةُ

يُلْغَى الشَّاطئُ والميناءُ

ولا يبقى في العَالَمِ يَنْبُوعٌ يَتَرقْرَقُ..

ماذا يبقى لي ولِرُوحي المبسُوطَةِ بَرّاً

لِلقدمَينِ الخائفتينِ؟

وما فائدةُ الحُبِّ

وتقديمِ الرُّوحِ بآنيةِ الفَخَّارِ؟

سَأُعْرِضُ عَنْ هذا

وأَغيبُ.. أَغيبُ إلى أنْ يَهْطُلَ فَجْري

بعدَ هُيَامي وتَلاشِيَّ وراءَ الغيمِ الأسودِ

عَلَّ الطفلَ ينامُ قليلاً

بعدَ السَّهَرِ المَغْلُولْ ..

* * *

كَانَتْ تَبْكِي..

والمدفأةُ الحائرةُ بِجَانبها تَتَثاءَبُ..

والقهوةُ تَفْشَلُ فِي إِرْضَاءِ الذَّوْقِ

فَيَلْتَحِمُ الفَشَلانِ عَلَى شَاهِدَةِ المَهْدِ

فَيَبْكِي الطِّفْلُ..

وتَرْتَبكُ الأَلْطَافُ

تَمْوتُ الْوَمْضَةُ قَبلَ النُّورِ..

نَعُودُ كَمَا جِئْنَا..

وَنَجِيءُ كَمَا عُدْنَا..

وَنُحَاوِلُ تَسْويةَ الْمُتَماوِجِ فِيِنَا..

فَيُرِيْنَا النَّرْجِسُ بَعْضَ مَخَاوِفِهِ

إِنْ تَمَّ عِنَاقٌ بَينَ فَرَاشَاتٍ وَحُقُولْ!..

والثَّلجُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ الأَحْدَاثِ

بَرِيءٌ وَخَجُولْ..

لا يَملكُ إِلاَّ أَنْ يَتَسَاقطَ

فَوْقَ سُقُوطِ الرَّاعِشِ وَالمُتَوهِّجِ..

يَصْهَرُنِي هَذَا الْمُتَرَاكِمُ فَوْقَ نِدَاءَاتِي

فِي هَذَا القَفْرِ الوَاسِعِ فِي الضِّيْقِ المُمْتَدِّ

إِلَى مَا شَاءَ اللَّيلُ الوَاضِحُ..

وَابْنُ الرُّوميِّ وحيدٌ مِثْلِي

فِي قَارِعةِ القَهْرِ..

يَرَانِي فَيُعانِي ثُمَّ يَمُوتُ!.

أُرِيدُ العودَةَ..

أُمِّي فِي البيتِ..

أَخَافُ أَموتُ كبائعةِ الكبريتِ هُنَا..

والثَّلجُ يُغَطِّينِي..

واللَّيلُ يَمُرُّ

وَلاَ أَمَلٌ بِوُصُولْ..

كُنْتُ أَقُولُ بِحُبٍّ كانونيِّ الآهِ ِ

وَعَامٍ آخَرَ يأتِي..

وملائكةٍ تَسْرَحُ فِي أَيْلُولْ..

والثَّلْجُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ الأَحْدَاثِ

بَرِيءٌ وَخَجُولْ..