الآلهة ليست وحدها

لو أنك بَكَّـرْتَ

كنتَ غبتَ في غيمة القاطرات الداكنة

بأنفاس الفحم

وتنهدات العربات المتعبة

مسافرون ينحدرون بحقائب الدهشة

المكنوزة بمدخرات الرحيل

لو أنك بكّرتَ قليلا

كنت احتدمتَ في برزخ المسافة

حيث تدافع المغادرون

يمتزجون بالجموع المندلقة

من العربات ذاتها

تصلُ

وتتدفق كالأباريق

حيث لا فرق،

هل أنتَ في دخولٍ أم في خروجٍ

لا فرق،

بين حسرة الذهاب وفرحة الوصول

الفرق في ارتعاشة التحول

حيث الحجر شرفة الدلالات

والبهو شهقة الفن.

لو انك بكرتَ قليلا

لتسنى لك الغرقُ في تفاصيل غُرفِ النومِ

والأسِرّة متثائبة

لا تَبْلى ولا تَضيع

مشغولة بكائنات منتظرةٍ بدون يأس

و بلا ضغائن

مثل أجسادٍ خرجتْ تواً من شرفة الحب

ومرايا تطفو في زئبقها أطيافٌ نحيلةٌ

لفرط العشق.

“أورسي”

ليست مصادفة أنه مَخدُعُ السفرِ

رواقُ الكونِ

ومُنحنى تشكيل العالم

وبهوٌ ليقظة اللون في الخط والحركة.

فالفنُّ هو أيضاً وسائطُ للسفر والإقامة

حيث العناصر

تتحوّل وتتلاشى وتنثالُ

في خفق المعدن وشهوة الحجر

لوحاتٌ مثقلةٌ بالكائنات الشاهقة

مخلوقاتٌ بِـكرٌ،

متوترةٌ، باسلةٌ،

تلك هي شهادةُ الحياة على الموت

تلك هي قرينةٌ فـذّةٌ

على أنَّ الآلهة ليستْ وحدَها

صنيعة الجمال وصانعته

ليستْ وحدها سيدة الخلق

وابتكار الوسائل

وهندسة المعنى،

ليستْ وحدها من يسُوسُ الأقدارَ

ويصقل مخيلةَ الناس،

المبدعون يفعلون ذلك الآن.