في حضرة الكتابة

وقفَ يسترد أنفاسه بين يديّ صاحب الكتابة، مرخياً كيانه المتعب، وهو ينظر إلى الشيخ الوقور الجالس على حشيةٍ في حوش الدار، ويداه مرخيتان أمامه على تختٍ أصغر من كفّه ذات الأصابع المستعرضة لفرط الخطّ فوق التخت دواةُ الحبر وبعض أوراق الكتان المصمتة بصفرتها العتيقة احترمَ طرفة صمتَ شخصٍ استقبله عارياً من الاستغراب والترحيب معا كأن العجوز قد اعتاد اقتحام الغرباء عزلته بهذا الشكل الداهم لكن ابتسامة صغيرة مرّت على شفتيه عندما رفعَ رأسه ينظر إلى الزائر الغريب تنحى طرفة عن مدخل الحوش اختار ركناً في جانب المكان وجلس

هل تعرف أني ذرعتُ الزمان وقطعتُ المسافات لكي أصل إليك؟

اتسعت ابتسامة العجوز

أعرفُ، وكنتُ انتظرتك

تعرف ؟ من أين تعرفني؟

أخبرني أبي أن شاعراً أوصاه بشاعرٍ من أحفاده يقصده ليأخذ الكتابة منه ولم أتوقف عن انتظارك مع الكتابة منذ البدء إن الكتابة تنتظر من يسعى إليها فهي النعمة التي لا تذهب إلى أحدٍ لا يطلبها