لا تدعها تنكسر

[LEFT](إلى حفيدتي أمينة)[/P]

ساقكَ الرشيقة بوترها الرهيف الملفوف بلحم شفيف، ساقك التي هي قصبتك الركيزة المنسابة بين الجسد المغرور والأرض الماكرة.

ساقك التي تحملك منذ اليقظة حتى النوم، ترأف بحركتك اللامبالية وتزن بك الهواء كلما انتفضت ظاناً أنك النسر،

ساقك تروزك مثل بيضة القبان،

وتدوزن حركتك اللاهثة، بلا اكتراث،

مندفعة نحو الاتصال والوصل،

حركتك تذهب بك غافلة عن الوسائط.

وساقك

ساقك، ميزانك، يقظة أعضائك، لا تغفل عنك،

عبر الوقت والمكان،

محمولاً في راحة الرحيل وأنت لا تعي ولا تتعلم.

ساقك القصبة القصيّـة عن المعنى،

كلما جلستَ برهة نالتْ الراحة المؤقتة بين مبالغاتك المتهورة في الحركة والزهو والعنفوان، كلما جلستَ على مقعدٍ أو بسطتَ بدنك على سريرٍ، تَـيسَّـرَ لساقك المتعبة لحظة من عبئك الفظّ وثقلك الفجّ وجلافتك قليلة الفطنة، لحظة تنال راحة واحدة في خضم نهارٍ مشحونٍ باجتياز المكان، وليلٍ لا يهدأ من اختزال الزمن، كأنك تنتـقـل في ريحٍ غير مرئية، حيث الساق الرشيقة المذهلة متوارية في الثوب، ملفوفة في اسطوانة البنطال، ساقك المأخوذة بكَ، لكأنك لا تعرفها، لا تتذكرها إلا في لحظة الفقد، اللحظة التي تصعبُ فيها المعالجة أو تستحيلْ.

ساقك، سباقـك الخفيّ في السفر والإقامة.

لا تدعها تنكسر وحدها

لا تخذلها فينالك الخذلانُ العظيم

كأنها القصبة التي منحتها لك الآلهة لأجل السعي بها نحو الموسيقى الذهبية للحياة.

موسيقى العمل،

فبدون هذه القصبة الرشيقة التي يتكئ عليها جسدك ويتأرجح ويرتجل وينفر ويرقص، بدونها، بدونها، بدونها، لا أنتَ أنتْ، كأنك كائن أقل قليلاً من الصدى،

وأكثر قليلاً من محارة مكسورة على سطح خشب قديم،

لا تدعها تنكسر

ساقك العمود الصغير، القصير، المنسي، المهمل، الضئيل في جسمك الهائل، هو، هو، هو، عمود خيمتك الأول، الوحيد، النادر، الذي لا يعوَّضُ، وما إن ينكسر حتى تنهار خيمتك العظيمة، وتتهاوى أبراج سرادقاتك الشامخة، وتستوي بالأرض وربما بأقل من الأرض أيضا.

فقط،

لأن قصبتك الصغيرة، بزلةٍ أصغر منها، سوف تتعثر وتصطدم وتنكسر، وحدها، تلك القصبة، تتركك وحدك، كلما بالغتَ في تقمص الإعصار بين الباب والعتبة.

فلا تدعها تنكسر

لا تدع جسدك يكبو على وجههِ في اللحظة التي يتوجب عليه أن يشبَّ ويشمخُ ويستقيم.

فبعد هذه القصبة، وبدونها، أنت في مهوى القصور الكامل عن إزاحة الستارة في نافذة خلفك. بدون ساقك الصغيرة النادرة، سوف تتضرع لكل الآلهة كي تعينك المخلوقات السائرة على الوصول إلى الطرف الثاني من السرير.

وما عليك إلا أن تجرب ذلك، لكي تعرف معنى أن تكون بلا ساق سليمة غير مكسورة، لن تقوَ على الانتقال من ساحة الهيلمان إلى غرفة السكينة، ومن غير تلك الساق، التي ستتذكرها بحسرة المجنون، ستعجز عن جنة الماء وحرية الهواء، في الغسل والرمل بين الجغرافيا وتفاصيل البيت.

فلا تدعها تنكسر،

قصبتك الذهبية،

منحة الآلهة، ونعمة الغابات الأسطورية،

انتخبها لك اللهُ لكي تغنّي بها الحياة بأجمل أغانيك، وتغزل بها أشرعة أحلامك البهية، وتسعى بها مثل جناح الرحمة نحو حنان الراحة وحرير الحب. قصبتك الأصغر من قوس الصدر والأحن عليك من وتر القلب، فلا تفرط فيها ولا تغفل عنها ولا تجعلها في مهب التهور.

لا تدعها تنكسر فينكسر قلبك على نفسك،

بساقك فقط،

برشاقتها الباهرة،

بها وحدها تذهب إلى الناس، وتذهب عنهم،

مشغوفاً بهم متحرراً منهم،

معلناً الحب على من تذهب معه وتذهب عنه.

كل ذلك لك،

ما بقيتْ ساقك لكَ،

صحيحةً، طيبةً، تطيرُ بك فيما ترأفُ بها وتتزنُ وتكترثْ

ساعتها فقط،

يصحُّ لك أن تزعمَ أنك ريشة في جناح الآفاق

جالساً في تاج الأوج

في جنة المشتاق،

والساق على الساق.