أساطير

1 – نهر. نهر. نهر:

أكسّر بالحصى مصابيح عينيك

و أفترش صخرة العتمة

أحلم بأن يديّ نهاران

و رأسي شجرة ليمون

و جسدي مزرعة للعدس

نهر. نهر. نهر

نهر من القرنفل و العشاق و العصافير الشاردة

و صديقتي لؤلؤة قمحية مخبأة في تابوت

نهر. نهر. نهر

نهر من الرماد و القتلى و المدن المهزومة

و صديقتي تضع جبينها على الوسادة و تبكي

نهر. نهر. نهر

نهر من الغضب اليابس و القبضات الصدئة

و صديقتي تفرّ إليّ سربًا من الذعر

و تختلط بي.

2 – النافذة و الرصيف:

تدخل الشمس من النافذة كملكة

من النافذة يدخل الغبار كعنكبوت

حبيبتي تطلّ من النافذة

و من النافذة أرقب شلاّلات النجوم

من النافذة تترجل رصاصة بمهابة

و تخترق جسدي بكبرياء

أتدلى من النافذة بعينين عشبيتين

و أقفز بارتياع في بحر الأرصفة.

3 – زهرة بريّة لعيني نيرون:

أنا المقيّد المنتشر

أسطحة ذاكرتي تراب

أحمل لحبيبتي أقراط اللوز و أساور العنب الأسود

زهرة بريّة لعيني نيرون

سيّد الخراب و القصور الجائعة!

و مثلما الأفراح النارية تختلج على قيثارته اليتيمة،

أختلج على أوتار حبي

مشنوقًا بأوراق الزيزفون و غبار المدينة المتهدمة

افتحي لي بوابة النهر لأغتسل

اغلقي خلفي نافذة اليباب لأنام

امتلكي دهشتي و خطاي

قبل أن أصبح دمية محطمة

ادخلي فضاء قلبي

كوكبًا مائيًّا صغيرًا

و مزّقي رئتي بالقبلات

فأنا المنفتح شراعًا فوق مركبة الخذلان

أحمل لنيرون زهرة بريّة بيدي اليمنى

و باليسرى أقبض على جمجمة البحر المتفتتة

و من شفتي تسيل ملكة الحزن و الانكسار

و أمام مذبح الوقت

أعرّي أجيالي بغبطة

أغسلها بلفائف التبغ و مقصلة الكلمات

ليغتصبها هيكلي الجوعيّ قطعة قطعة.

4 – كان وقتًا جميلاً:

لم يكن وجهها بيدرًا

حين بعثرني الوقتُ

قلتُ لها: أنت لي..

و أخذتُ رمادي من الشرقِ و الغربِ

من جهةٍ صلبتني

و من جهة أمسكتْ خطوتي قبل أن ألمسَ النهرَ

أعطيتها جسدي و بطاقةَ حبّ ملوّنةٍ

و بكيت قليلاً على صدرها الشجري

رحلتُ. وقفتُ:

ليس لي غير صوتي و نافذة و ترابْ

ليس لي غير هذا الغبار الصغير

سيخنقني جسدي

الآن تأتين مقصلة و يباب

إقرع الكأسَ بالكأسِ

موعدنا جثتان

إقرع اليأسَ باليأسِ

مدّدني جبلاً في الطريق

فشاحنة أينعت في فمي:

وردة و مصابيح ذئبية

و جزيرة موت

و لا أنتهي..

كان وقتًا جميلاً جميلاً

ضفة و رمال، و مشنقة تتدلّى

و شاخصة (سيدي) لن تش

كانت الأرض عرسًا بسيطًا

و ها جثّتي في يديّ كحبة توتْ

و بحارة ينشدون:

لقد كنت قنبلةً يا حبيبي

تفجرني، و تموتْ.

5 – لوسيفورس يقشر برتقالة البحر:

أصعد النافذة المفتوحة على ثديي قروية ترضع الأرض

شفتاي مكبلتان بالسخام و تعب الصحراء

أصعد، حاملاً المدينة تحت إبطي

بيوتًا ملطخة بالقهر و الابتسامات الباردة

أرى:

لو سيفورس يقشر برتقالة البحر

أنتحب بين يديه

لو سيفورس، اعطني سكينك و خذ جسدي

لو سيفورس، اعطني قدميك و خذ ذاكرتي

الطافحة بالأسماك الجميلة الميتة

لو سيفورس، اهدني مسدسًا أثقب به

جمجمة الليل أو اهدني موتًا حقيقيًّا..

فلمّا أزل متوغلاً في نفق البكاء،

أترك أثرًا، زنبقة في صدر امرأة، و أموت.

و لمّا أزل أستلقي على أرصفة الدنيا،

أحلم كخروف بالحشائش و التبغ و الجدران الخمسة

و في الصباح أترك أثرًا، بقعة دم متجمدة،

و أموت.

الرسائل أيضًا

أدسّ فيها زهور اللوتس و جوعي

و أوزّعها على بريد العالم

فيرسلون لي في طرد مضمون قنبلة ناعمة

تنسفني، و أموت.

لو سيفورس..

هل رأيت الشمس و هي تتدلى من حبل مشنقة؟

لقد كانت أمي تحبها كثيرًا

و تطرز لها في الشتاء قميصًا من خيوط شجرة عينيها.

هل تعرف أين تختبئ الأقمار القديمة؟

مرّة فتحت تلميذة صندوقها الخشبي الصغير

الذي تضع فيه كتبها المصوّرة

و كنت أختلس النظر كقط ذكي

فرأيتها:

عشرة أقمار..

عشرة أقمار صغيرة لامعة!

صورة: لوسيفورس يأكل برتقالة البحر

صوت: لوسيفورس، أطعمني، فأنا جائع.

6 – المهدورة:

تنبئني امرأة كبريتية

فمها وكر للخفافيش و الأسلاك الشائكة:

زمنك المتقدم على قدمين من زجاج،

سينكسر قبل أن يصلك.

تنبئني امرأة طائشة:

زمنك المنكسر يأتي إليك بلا أيام

محمّلاً بالتوابيت و بطاقات التعزية.

تنبئني امرأة تدخن الماريجوانا

في مقهى البحر المتوسط:

زمنك الميت، مكتئبًا يسير في أزقة المدينة

يسأل عنك الأرصفة الرطبة

و يفتش في جيوب الشحاذين عن عنوانك المحترق.

ينبئني زمني:

امرأة تخبئ في عينيها كلّ الأفراح

المهدورة و الأعراس الممزقة..

قادمة من بين يديك،

فاستقبلها.

………

مطر أشقر و فرس زرقاء

و جثتي في الشارع وحيدة

و ما زلت أكتب العصافير على ورق الجدران

و أرسم تفاصيل حبيبتي الكئيبة

مدن من زهر النعناع

و قرى من نفايات المدينة

جثتي في الشارع وحيدة

و أنا أصرخ في بوق الريح:

أيها الزمن السيء، أيها الزمن اللعين

يا رغيفًا من حشرجات و وطاويط

ألم تر حبيبتي الكئيبة

سمراء. قمحية. مدمرة. بحر

ملفوفة بالأعشاب و الغيوم الكتيمة

عيناها سمكتان و نهدها غزالة

و سلّم سترتها طويل

درجة أولى و ساعتي رطبة

ماذا تطلب أنت؟

زجاجة بيرة و صحنًا من الأحزان المقلية

قصائد مملحة بجوع الفقراء

و أشجارًا مبادة بالأسلحة الكيميائية!

تعلّم، إذن، كيف تحب العالم

تعلّم كيف تبتلعه.

درجة ثانية و سلّم سترتها طويل

لا تصعد هذا الوجع

قد تطلع من الحائط نسمة بحجم جبل

قد يخرج خرتيت من بطن خزانة محشوّة

بالثياب الفرنسية موديل 2000

و ربما يطل برأسه ديناصور رهيب

من كتاب يتحدث عن الحب و الأزهار

إقرأ كتاب النار و لا تشتعل

دخّن لفائف قهرك الرخيصة

فالدرجة الأخيرة آتية

و سلّم سترتها طويل

ضمّد جراحك بالأرصفة و رسائل المساجين

فمعدن حبيبتك مزوّر

و أنت لم تتعلم فن الضحك في مدرسة

دريد لحام

و لم يعلمك أوفيد فن الحب

إنسان بسيط أنت

تريد أن تأكل و تتزوج و ترقص!

جسد حبيبتك شمس

إذا اقتربت منها ستحترق

كفّا حبيبتك مدينتان

إذا دخلتهما ستصاب بالانفصام

شفتا حبيبتك رغيفان

إذا أكلتهما ستصاب بالتخمة

مطر أشقر و عيون زرقاء

و أنتِ ممددة على معطفي الممزق

المدينة نائمة و نحن وحيدان

و سندريلا في ردائها الطويل تطارد المذبحة.

أنا جائع جائع

كعصفور على صخرة نائية في بحر متسع

و لكني لا أريد أن أموت

أنا مقهور مقهور

كورقة صفراء لم تأخذها الريح في الخريف

و لكني لا أريد أن أسقط في الفراغ

أنا معذب معذب

مثل ديك بعنق مقطوع يركض في أزقة

خاوية و دمه لا يتساقط منه

أنتِ جميلة و المطر أشقر و نحن وحيدان

و لكن لا أريد لموتي أن يتسع

أيتها الرائعة الخاوية حتى من جسدي

أيتها البلاد المثقوبة كالخرز أو كالجراح

ها أنذا أعطيك نهرًا قبل أن أغتسل

فيه.!