خطوات الصحو

أهدابُه الأبَنَوسُ، تسألُ، تَنهَلُ الحُلُمَ المُغَنّي

في لحظةٍ، في لحظتينِ

تَستَشْرِفانِ مَنابِعَ الشُّرُفاتِ، تنفَتِحانِ عنّي

يا هُدْبُ، لولا بُرعُمُ الأَبَنَوسِ لاسْتَنكَرتُ ظَنّي

هو فِلذَةٌ منّي، وَمَحْضٌ مِن يَدي وغَدِي وغُصْني

يا عالَماً في لحظتينِ

إن كنتَ حقّاً فلْتَكُنْ أبداً، وإلّا فاتَّرِكْني

دَعْني أَشُمُّ طَراوةَ الأعشابْ

دعْني إذا رَقَدَ الجميعُ أُفَتِّحُ الأبوابْ

أُرخِي نسيماً منكَ فوقَهُمُ، أَمُدُّ عرائشَ الأعنابْ

أَرقى من الآهاتِ جُلْجُلَةً، وأَعصِبُ بالنُّجومِ الزُّرْقِ عيني

يا عالَماً في عالَمَينِ

أَتَظَلُّ نهراً أحمرَ الأسماكِ أو بيتاً بعيدا

يُخفِيهِ صمتُ النَّخْلِ، يُخفِي الوَردَ والحبَّ الوحيدا

شَفَةً وهَفْهَفَةً وجِيدا

ونوافِذاً سَهَرَتْ ستائرُها لِتَسألَ: أين سِجني

يا عالَماً في عالَمينِ

أتَظَلُّ غُصْناً يُمطِرُ الأهدابَ دَمْعا

ومرارةً وقذىً وشَمْعا

حتى كأنَّ مدائِنَ الريحانِ يَشرَبُها الضَّبابْ

حتى كأنَّ قرارَةَ الإيمانِ لم تَمنَحْكَ نَبْعا

وكأنَّ حرفَكَ بين تَمتَمَةِ الشِّفاهِ ورِعشةِ العَينينِ أفعى

وكأنَّ مِلحَكَ مِلءُ جَفْني

يا عالَماً في عالَمَينِ

حيث الخديعةُ والحقيقةُ تَزحَفانِ معاً، وحيثُ الفجرُ يَشحَبْ

والعُشْبُ يَذْوِي، والنساءُ يَلُبْن، والتاريخُ مُتعَبْ

حيث السفائنُ تحمِلُ الدنيا، وحيث البحرُ غَيهَبْ

إنّي لَأُنكِرُ وَجهَكَ المُستَلَّ منّي

وعلى رُكامِكَ أَرْكِزُ الإصرارَ كوكبْ

وأَشُقُّ بالصَّيحاتِ أُذْني

يا عالَماً، لا عالَمَينِ

يا عالَماً في ضوءِ نجمةْ

حمراءَ تَغسِلُ بالنَّبيذِ جَبِين سجني

إنّي وهَبتُكَ كلَّ ما أرجوه منّي

بيتي، ومكتَبتِي، وسجني

وعُذُوبةَ الدنيا على شَفَةِ المُغَنِّي

إنّي وهَبتُكَ يا رسولَ الصَّحْوِ ما يَهَبُ المُناضِلْ

سَنواتِهِ النَّضِراتِ

عُمْقَ البحرِ، صمتَ البحرِ، عُنْفَ البحرِ

إنِّي قد وَهَبتُ لِوَجْهِكَ الأبَدِيِّ راياتِ المُناضِلْ