ذلك النهار الممطر

ليسَ لأنّ نهاراً ذا مطرٍ يطرقُ نافذتي مثلَ اللصِّ عجيباً .

ليسَ لأني في هذي الصحراءِ المائيّةِ ، ليس لأنّ الشمسَ

أقامتْ في كتُبٍ للرحّالةِ والشّعراءِ ، وليس لأنّ …

أقولُ : أنا مُضنىً بملائكةٍ ينتظرونَ. الأشجارُ هي الأشجارُ

ولكني أبحثُ عن ظِلٍّ. والمطرُ المُسّاقِطُ ليس مياهاً .

عبرَ خرائطَ في النبضِ تَمَوَّجُ أنهارٌ وسفائنُ من لوحٍ ،

وزوارقُ من بُرديٍّ… مطرٌ لا يبلغُني. مطرٌ لا تبتلُّ

الشفتانِ بهِ. تلتمعُ القضبانُ الخُضرُ ( سياجُ المقبرةِ البولونيّةِ)

بالنورِ المائيّ. وأبعدَ ، أبعدَ ، تشربُ أزهارٌ وشواهدُ.

لن ألمحَ سنجاباً أو طيراً. أُرهفُ أضلاعي للموسيقى.

كانتْ في الشُّرفةِ. والشمسُ أقامتْ في رُكنِ حديقتها

بيتاً لتلاوينِ العشبِ، وللورقِ اليابسِ. لم تكنِ المرأةُ تَنظرُ

أو تنتظرُ. المرأةُ كانتْ غائبةً. أنا وحدي كنتُ أُلَملِمُ

صورتَها ، والأعضاءَ ، وذكرى القُبلةِ في زاويةِ المقهى

يوماً ما… ما أنْبَتَ هذا الأخضرَ في الأزرقِ؟ موسيقى.

شمسٌ من جُزُرٍ ذاتِ براكينَ. المرأةُ توشكُ أن تتحركَ،

أن تبدو، أن تتشكّلَ. هاأنذا ألمَحُ خُصلةَ شَعرٍ

سَبْطٍ…مُكتَنَزاً من شفةٍ سُفلى.

موسيقى. والشُّرفةُ تغدو شُرفةَ بيتٍ: طاولةٌ صُغرى.

كرسيّانِ. زجاجةُ خَمرِ.قدَحانِ.وحبّاتٌ من

مُشمُشٍ إسبانيا. في زاويةِ الشّرفةِ نبتةُ صُبّارٍ .

تلتفتُ المرأةُ. ها نحنُ اثنانِ.سنسكنُ في الشّرفةِ.

سوفَ تجيءُ الشمسُ إلى كأسَينا.سوفَ نرى اللحظةَ.

موسيقى…

المطرُ المُسّاقِطُ يَسّاقَطُ.

كنّا خلفَ زُجاجِ الشّرفةِ. والغُرفةُ باردةٌ شيئاً ما.

غُرفتُها كانتْ تَلْتَزُّ برائحةِ الأصباغِ، وضَوعِ

السجّادِ القرغيزيّ. كأنّ رطوبةَ هذا اليومِ التصقتْ

تحتَ قميصي. تمنحُني المرأةُ من شفتَيها الجمرةَ.

هل غَلغلتِ  الجمرةَ تحتَ قميصي؟ أحسستُ بأني

طَوّافٌ في أرضٍ ذاتِ عيونٍ ساخنةٍ وتَضاريسَ .

أصابعيَ القدمانِ. وأنفاسي موسيقى وتَرٍ لا تتلاشى.

موسيقى تَصّاعَدُ أو تهبطُ . لستُ أرى مطراً .

عبرَ زجاجِ الشّرفةِ كان الضوءُ شفيفاً.

لكنّ المطرَ المُسّاقِطَ يَسّاقَطُ

هذا المطرُ المُسّاقِطُ يَسّاقَطُ

يَسّاقَطُ…

أشعرُ بالمطرِ السّاخنِ

بعدَ دقائقَ ، حسبُ… سأفعَلُ حُبَّكِ

مثلَ سريرٍ ضَيِّقْ.

……….

موسيقى.