ألا سمح الزمان به كتابا

ألا سَمَح الزمانُ بِهِ كِتابا

دَرَى بِوُرودِه أُنسِي فآبا

فَلا أَدري أَكانا تَحتَ وَعدٍ

دَعَا بِهما لبُرئي فاستَجَابا

وَقَد ظَفِرَت يَدي بِالغُنمِ مِنهُ

فَلَيتَ الدَّهرَ سَنَّى لِي إِيَابا

فَلو لَم أَستَفِد شَيئاً سِوَاهُ

قَنِعتُ بِمِثلِهِ عِلقاً لُبَابا

إِذَا أَحرَزتُ هَذَا فِي اغتِرَابِي

فَدَعنِي أَقطَعُ العُمرَ اغتِرَابا

رَجَمتُ بِأُنسِهِ شَيطَانَ هَمِّي

فَهَل وَجَّهتَ طِرساً أَم شِهَابا

رَشَفتُ بِهِ رُضَابَ الودِّ عَذباً

يُذَكِّرُنِي شَمَائِلَكَ العِذَابا

وَكِدت أَجُرُّ أَذيَالِي نَشَاطاً

وَلَكِن خِلتُ قَولَهُمُ نِصَابا

فَضَضتُ خِتَامَهُ عِندِي كَأَنِّي

فَتَحتُ بِفَضِّهِ لِلرَّوضِ بَابا

فَكِدتُ أَبُثُّهُ فِي جَفنِ عَينِي

لِكَي أَستَودِعَ الزَّهرَ السَّحابا

وَكُنتُ أَصُونُهُ فِي القَلبِ لَكِن

خَشِيتُ عَلَيهِ أَن يَفنَى التِهَابا

وَلَو أَنَّ الليالي سَامَحَتنِي

لَكُنتُ عَلَى كِتَابِكُمُ الجَوَابا

فَأُبدِي عِندَكُم فِي الشُّكرِ عُذراً

وَأُجزِلُ مِن ثَنَائِكُمُ الثَّوَابا

ولَكِنَّ اللَّيالي قَيَّدتني

وَهَدَّت عَزمَتِي إِلا الخِطَابا

فَمَا تَلقَانِيَ الأَحبَابُ إِلا

سَلاماً أو مَنَاماً أَو كِتَابا

لأَمر ما يَقُصُّ الدَّهرُ رِيشِي

لأَنَّ السَّهمَ مَهمَى رِيشَ صَابا

وَعَاذِلَةٍ تَقُولُ ولَستُ أُصغِي

وَلَو أَصغَيتُ لَم أُرجِع جَوَابا

تُخَوِّفُنِي الدَّوَاهِي وَهيَ عِندِي

أَقَلُّ مِنَ ان أَضِيقَ بهَا جَنَابا

إِذَا طَرَقَت أَعُدُّ لَهَا قِرَاهَا

وَقَاراً وَاصطِبَاراً وَاحتِسَابا

وَمَا مِثلِي يُخَوَّفُ بِالدَّوَاهِي

عَرِينُ اللَيثِ لا يَخشَى الذُّبَابا

تُعَاتِبُنِي فَلا يَرتَدُّ طَرفِي

وَهَل تَستَرقِصُ الرِّيحُ الهِضَابا

وَلَو أَنَّ العِتَابَ يُفِيدُ شَيئاً

مَلأتُ مَسَامِعَ الدُّنيَا عِتَابا

وقَد وَصيَّتُهَا بِالصّمتِ عَنِّي

فَما صَمَتَت وَمَا قَالَت صَوَابا

تُعَنِّفُنِي عَلَى تَركِي بِلاداً

عَهِدتُ بِها الغَرَارَةَ والشَّبَابا

تَقُولُ وَهَل يُفَلُّ السَّيفُ إِلا

إِذا مَا فَارَقَ السَّيفُ القِرَابا

وَقُلتُ وَهَل يَضُرُّ السَّيفَ فَلٌّ

إِذا قَطَّ الجَمَاجِمَ والرِّقَابا

بِخَوضِ الهولِ تُكتَسَبُ المَعَالِي

يَحُلُّ السَّهلَ مَن رَكِبَ الصِعَابا

فَلَيثُ الغَابِ يَفتَرِسُ الأنَاسِي

وَلَيثُ البَيتِ يَفتَرِسُ الذِئَابا

وَلَو كَانَ انقِضَاضُ الطير سَهلاً

لَكَانَت كُلُّ طَائِرَةٍ عُقَابا

دَعِيني والنَّهَارَ أَسِيرُ فِيهِ

أَسِيرَ عَزَائِمٍ تُفرِي الصِلابا

أُغَازِلُ مِن غَرَابَتِهِ فَتَاةً

تَبَيَّضَ فَودُهَا هَرَماً وَشَابا

إِذا شَاءَت مُواصَلَتِي تَجَلَّت

وَإِن مَلَّت تَوَارَت لِي احتِجَابا

وَأسرِي اللَّيلَ لا أَلوِي عِنَانا

وَلو نَيلُ الأمَانِي بِمَن أَصَابا

أُطالِعُ مِن كَوَاكِبهِ حَماما

وَأَزجُرُ مِن دُجُنَّتِهِ غُرَابا

وَأَركَبُ مَتنَهَا غُبراً كَبَاعِي

وَخُضراً مِثلَ خَاطِرِيَ انسِيَابا

وَآخُذُ مِن بَنَاتِ الدَّهرِ حَقِّي

جِهَاراً لَستُ أَستَلِبُ استِلابا

وَلَستُ أُذِيلُ بِالمِدَحِ القَوافِى

وَلا أَرضَى بِخُطَّتِهَا اكتِسَابا

أَأَمدَحُ مَن بهِ أَهجُو مَدِيحِي

إِذَا طَيَّبتُ بِالمِسكِ الكِلابا

سَأَخزنُها عَنِ الأسمَاعِ حَتَّى

أَرُدَّ الصّمتَ بَينَهُما حِجَابا

فَلَستُ بِمَادِحٍ مَا عِشتُ إِلا

سُيُوفاً أَو جِيَاداً أَو صِحَابا

أبا مُوسَى وَأَي أَخِي وِدَادي

أُنَاجِي لَو سَمِعتُ إِذَا أَجَابا

وَلَكِن دُونَ ذَلِكَ مَهمَهٌ لَو

جَرَتهُ الرِّيحُ لَم تَرجُ الإِيَابا

أَخٌ بَرَّ المَوَدَّةَ كُلَّ بَرٍّ

إِذَا بَرَّ الأَشِقَّةُ الانتِسَابا

بَعَثتُ إِلَيكَ مِن نَظمِي بِدُرٍّ

شَقَقتُ عَلَيهِ مِن فِكرِي عُبَابا

عَدَانِي الدَّهرُ أَن يلقاكَ شَخصي

فأغنَى الشِّعرُ عَن شَخصي وَنَابا