رمتك بما تعد لنا الليالي

رمتك بما تعدُّ لنا الليالي

فهذا الشجو من ذاك الوصال

وما نبكيك ميتًا، كل باق

تمنى أن يكونك في المآل

وقد كنت الضياء على زوالٍ

فأمسيت الضياء بلا زوالِ

معلِّم كل أغنية حنينًا

وهدي الورد في سبل الغوالي

لمن نصغي إذا اشتبهت ظنون

وقد سكت ابن ناصية المقال

أتيت الشعر، وهو على هزال

بأوطان سبقن إلى انحلال

فرُحْتَ تصوغ أشتات المعاني

ويعصيك الطموح من الضلال

وتبني، فالقصيدة بعلبكٌّ

وكانت قبل أبيات الحبال

لقد جاوزت أبكار الأواتي

على مهل وإبداع الأوالي

فلم يعجزك صعب في مجال

ولا أغواك سهل في مجال

كأن الحسن أسلم كل سر

إليك، فصرت موضوع السؤال

•••

ذكرنا والبلاد على مقالٍ

وأبناء البلاد على مقالِ

فما للحر عيش في مكانٍ

ولا مثوى سوى الدكن الرمال

وللفحشاء تصهال طويل

وغرغرة وعصف في الجبال

وعقد الخلق منفرط سليب

ووجه الحق في كف المحال

ذكرنا من يقول فلا يحابي

ويجهر حين يجهر لا يبالي

وتجرحه المظالم أين حلَّتْ

بجار، أو بصحب، أو بآل

فما السلطان سلطانًا مهيبًا

وغير الحق براق العوالي

فُديت، فأنت من لبنان إبن

ولبنان ابن وهَّاب المعالي

تمرد، كم تمرد فيه أهلي

على الخطيَّة اللدن الطوال

وكم بذلوا، وكم عطشوا وجاعوا

وكم سفحوا الكرائم والغوالي

شهدناها شهادات ومتنا

هوًى لا في النوال ولا المنال

إذا الحرية انتسبت نماها

وردَّ إليه ربك ذو الجلال

أطلَّ من الوجود على الخوافي

ولملم جوهر الفرد المثال

وسلَّ من الحروف جفون نور

فأيَّدَ كل مرتقب وخال

وهمَّ إلى البحار فراض غمرًا

ووسوس للجنوب وللشمال

فأشرعةٌ بمفرق كل أفقٍ

تهادى مرَّ خاطرة ببال

وشطآن توزع من شذاها

على شتى العواطل والحوالي

نعى لبنان يوم نُعيتَ عقلًا

ترسَّل للحقيقة والجمال

نعى القلب الذي غمر البرايا

حنانًا غير منقطع النوال

نعى الخُلق الحَصان نعى السجايا

نعى العذب المناقب والخلال

نعى الأوفى مواثيقًا وعهدًا

ولو كرَّ الزمان بغير حال١

نعى الآداب علمًا واحتشامًا

وذاك الصوغ في ذاك الجلال

رسول حضارة عظمت وقامت

بغرب الأرض مترفة الخيال

يعرب من أطايبها المذاكي

فعرس النور من عرس الظلال

أيا جرحًا بجنب الأرز رفقًا

بجنب الطيب سيلك والطلال

وأنت بجنب مصر، وقد أصيبت

بما يدمي النفوس من النبال

مواطن كَمْ رَعَتْ حُرمًا وصانت

وأعلت قدر أحرار الرجال

ومصرُ متى شكت هطلت دموع

بمكة، وارتوت شعب الهلال

وحقَّ لمصرَ أن تبكيك يا من

سَمَوْتَ من الشروق إلى الزوال

فمن أعلى بناء المجد فيها

كما أعليت رصفًا باللآلي

ومن، أهلًا وجيرانًا، حباها

بما أسلفت من كرم الفعال

يداك، وما سئلتَ، يدا كريم

ورأيك نير العتمات غال

سخت فغدت حمى وسخوت حتى

لمجد النيل منفرد المثال

وعهدك للكنانة عهد حر

وقلبك عن بقاعك غير سال

ولا لبنان سالٍ كيف يسلو

وأنت مرد أغنية الجبال

يحدِث عن شبابك كل غصن

فتلتفت التلال إلى التلال

وتنسابُ الجداول حالمات

وتسكر من تذكُّرها الدوالي

ويشجي الطيب في حلم الصبابا

فما يترُكنَ دمعًا للدلال

ويذَّكِر الصبابة كل لون

ترنَّح فوق هاتيك الأعالي

وشوق الأرض شوق مستفيض

إليك يضجُّ في مُهج الرمال

أخا الهمم الكبار سطعتَ فينا

أبًا للعبقريات الصقال

لئن تكن المنية أجر فضل

فقد وفِّيت قسطك للمعالي

وحقَّ لك الرقاد وأنت طفل

تخَطَّي السابقين إلى الكمال