غرباء

أهلها نحن أهلها الغرباءُ

طال، أو لم يطل عليها الثواءُ

أيُّ شيءٍ يبقى إذا انقطع الصو

تُ، ولو طاب ما يطيب الغناء؟

أيُّ شيءٍ يظل للغصنِ منها

يوم تنأى عن غصنها ورقاءُ؟

أيُّ شيءٍ متى تعرَّتْ من الحس

جسوم وأقفرت أحناءُ؟

يسقط الضوء للعيون فإن غا

مت وغابت فما يضيءُ الضياءُ

ألِغُصنٍ ولا مغرِّدَ قدٌّ

ولضوء بعد العيون بهاء

مَلَكَتْنا وما مَلَكْنا، ولو قا

مت لنا دولة بها غنَّاء

نحن شيء بها كأشياءَ ماذا

تتولَّى من أمرها الأشياء

نحن شيء بها، وقد يصمد الشي

ءُ زمانًا، ويصطفيه البقاء

كل أمجادها طيوف فلا عـ

ـزُّك عز ولا الثراء ثراء

خذْ إنِ اسْطَعْتَ ذرَّةً من شعاعٍ

وليرافقك من جناكَ هباءُ

كذب، لا يبرد الفيء مثوا

ك متى غبت أو يغوثك ماء

وسواء، وأنت في الترب لا يَهْـ

ـنيك صيف، ولا يضير شتاء

ظلَّلَتك الظلال واكتنفتك الزَّ

هْر أو أمعنت بك الرمضاء

درَّ درُّ الجدود، ما هي هذي الرِّ

مَم المستكنَّة الخرساء

فتِّشي فتشي يدي وتقصَّي

أفغاض السنا وغاب الرُّواء

وابحثي، بعثري التراب، جدي لي

بارقًا فيه ضلَّ عنه الفناء

أين أسماؤهم سلي، كم تهادت

في دواجي نسياننا أسماء

رمِّمي، بعض ما تبقَّى، وما لم

تتوغَّل في محوها البيداءُ

رحمت نفسها الرموس فأفنت

وتوارت ونتنها الأنضاء

وَلَوَ انَّ الرموس تبقى وتستبـ

ـقي لضاقت أرض وسُدَّ فضاء

أفحقًّا قد انتهى كل شيءٍ

وتمادت في ليلها الظلماء

وتراخت سدوله مدلهما

تٍ فلا مفزع ولا ما افتداء

لا تصدق يا فكر، صوتَ نداء الـ

أرض، ضلَّتْ وصوتها والنداء

لا تصدق، بُلغت ما أنت فان

بفناء الدنيا ولا الحوباءُ

لا تصدِّق، عوفيت من ألم الشك

فأنت الهادي وفيك النجاء

وتعلَّم علمَ الفقيد تَطِبْ با

لًا وآتاك طالع ورجاء

رجل كان ملء برديه عزم

في اعتدال وهمة ومضاءُ

من طمأنينة السهول سجايا

ه ومن رفعة الجبال الإباء

إن أريد الصديق كان صديقًا

أو أريد السخاء فهو السخاء

ولنعمَ الحكيم تذعن في كل

ندي لرأيه الآراء

فقدتك البلاد يا عم، لا زحـ

ـلة من دونها ولا الأبناء

فقدت بانيًا يهمُّ فلا يلـ

ـبث أن يسبق البناء البناء

ليس ممن يخشى الصعاب ولو حلَّـ

ـت وجلَّ المراد والأعباء

فقدت مؤمنًا بلبنان، بالإنـ

ـسان فيه لا يعتريه التواء

يلتقي عنده الخصوم على الخيـ

ـر احترامًا كأنهم سجراء

جمعتهم مع التباين تقوى

الله فيهم وألَّفت نعماء

أقسم العز لا يفارق بيتًا

لك فيه الأحدوثة الخضراء

إن تناءى مزارك الجهم عنا

فدوانٍ مآثر سمحاء