كأس الحمام على الأنام تدور

كَأس الحِمام عَلى الأَنام تَدورُ

وَبِها سقاةُ النائِبات تَمورُ

وَلكل مَخلوق وَإِن طالَ المَدى

وِرد عَلى حَوض الرَدى وَصدور

وَالمَوت مِن أَشراكه لا يُفتدَى

يَوماً بِما مَلكت يَداه أَسير

وَالدَهر فينا لا تَطيش سِهامه

أَبَداً وَلا يلوي عَلَيهِ هصور

لَو كانَ في الأستاذ يُقبَلُ فديةٌ

لَفداه مِنا بالنفوس كَثير

يا ضَيعة الطُلاب بَعد إِمامنا

مَن كانَ بِالعلم النَفيس يَمير

يا ضَيعة المَعقول وَالمَنقول وَال

تفسير إِذ هُوَ لِلجَميع نَصير

يا ضَيعة التَصحيح بَعد مُدقِّقٍ

تَسهيله للمعضلات شَهير

دارُ الطِباعة يا خَليفةَ مالكٍ

يَنعاكَ كَشّافٌ بِها وَشُذور

دارُ الطِباعة في سَماها طالَما

لاحَت بفهمك للرشاد بدور

دار الطِباعة كان طائر صيتها

بِكَ في المَمالك لا يَزال يَطير

دار الطِباعة قَد تغير طَبعُها

مُذ ضَمَّ جسمك بِالعُلوم قبور

كتب التَراجُم باعُ كُل مُترجم

فيها بِمَوتك يا إِمام قَصير

أَنتَ الَّذي لَولاك فيها ما اِهتَدى

مِنا إِلى حَلِّ الرُموز خَبير

أَنتَ الَّذي لَولاك ما نَشر اللِوا

مَنا بَها فَوق الرؤس أَمير

أَنتَ الَّذي لِمصابه قَد غلّقت

أَبواب دار العلم وَهوَ يَسير

أَنتَ الَّذي فُجعَت بفقدك أمةٌ

أُميِّةٌ وَبَكى عَلَيكَ سَمير

أَنتَ الَّذي عين الموطأِ وَالشفا

مِن دَمعِها سالَت عَلَيكَ بُحور

أَنتَ الَّذي عَن حَصر بَعض صِفاته

قَد عاقَ أَقلام البَليغ قُصور

أَنتَ الَّذي يَنعاه مالك عَصره

وَالشافعيّ وَأَحمَد وَنَظير

أَنتَ الَّذي يَبكيه نعمان الوَرى

وَلأَنتَ مِنهُ بِالبُكاء جَدير

حَيث اِحتَفلت بِنظم درّ جليت

بعقوده في الخافقين نُحور

أَنتَ الَّذي قَبل المهيمن حجة

أَدّيتها وَلكَ اِستَجاب غَفور

هِيَ حجة مَبرورة بقبولها

لَكَ زخرفت بَينَ الأَنام قُصور

وَلَكَ النَبي محمد بجواره

في زمرة الرُسل الكِرام بَشير

وَلَئن تَمُت فَبَقاء نجلك أَحمَدٍ

وَأَخيه لِلمَجد الأَثيل مُشير

فَاللَه يَرفَع قَدر كُلٍّ مِنهُما

بِمَعارف يَسمو بِهن حَقير

وَيمدّ كلاً منهما بِعَوارف

ما اِزداد في دار النَعيم حبور

أَو ما حسان الحور نَحوك أَقبَلَت

بِوجوههن إِلى لقاك تشير

أَو قال رضوانٌ لَهُ البُشرى فَقَد

نال المُنى وَعَلَيه فاحَ عَبير

أَو ما الجبين أَضاء مِنهُ كَأنه

بَدر بآفاق السُعود مُنير

وَالفَوز في الجَنات أَرخه بِها

لَكَ يا محمد رحمة وَسُرور