فوق هذي الربا أقمت وحيدا

فوق هذي الربا أقمت وحيدا

ومعى معزفي صموتا جهيدا

أتملّى الحياة بدءاً عجيباً

وأحِسُّ الختام بدءا جديدا

حلقات من الزمان تغايَر

نَ وإن كان صوغُهن فريدا

القرون التي مضت والتي

تأتي سواء إذا نسينا القيودا

وبنو الأرض مثل ذرّاتها الغَب

راء تأبى ألوانُها التجديدا

وحّدتهم آلامهم وأمانيّهم وإن

لم يحقّقوا التوحيدا

فأنا أنت حين تسمو وأسمو

فوجودي يتمُّ فيك الوجودا

أمُّ كلّ الأنام قَبضة طينٍ

فاعذر النور إن أبي أن يزيدا

وانظر الأرض كيف تجمعُنا الأر

ض مصيراً وأعظما وجلودا

فالتراب الذي يصير نُصارا

كالتراب الذي يصير حديدا

حانتي عالمُ الخواطر في نفسي

ودنيا الآمال والآلام

خمرتي ما يُراق من ذوب وجدا

ني وكاسي مواكب الأيام

قَذَفَتني الغيوب بالرغم منّي

في عُباب من الحوادث طام

هو بحر الحياة سطحٌ وأعما

قٌ وغرقى آمالهم من حطام

يترامَون تائهين حيارى

بين موتدان وعيش دام

والمقادير كالأعاصير تهوى

بالمناكيد من ضحايا الأنام

فاعف عني إذا جهلت فإني

لست أدرى ما غايتي أو مرامى

عشقت نفسها الحقيقة فازدا

دت خفاءً وأوغلت في الظلام

حين رُحنا نحن الظلال نراها

بضرير العقول والأفهام

خَنَق الطين والظلام حِجانا

فعمينا وما هدانا هوانا

نحن نرجو من الحقيقة أن تكشف

محجوبها وتبدو عيانا

حين نرجو من الذي قد بَرانا

أن نراه في قدسه إذ يرانا

ويحَنا كالفراش حُمقاً وما أوه

ى حماقاتنا وأشقى خطانا

الفناءُ العديم يطمع فيما

يتحدّى إعجازه الإمكانا

إنما يطلب الأنام مراماً

سوف يبقى عن الأنام مصانا

قتل السابقين في الدهر يأساً

وطواهم من جهله ما طوانا

ليس شيئا أن تشتهى كلّ شيءٍ

ضاع من يطلب المُحال وهانا

فدع السرّ خافياً مثلما كا

ن ولا تسأل الورى كيف كانا

وإذا شئت أن تعيش سعيدا

فاصحب الدهر جاهلا غفلانا

إن أشقى الأحياءِ والأمواتِ

آدميٌّ يعيش بالفلسفات

يتمنّى الخلود بعد المَمات

وهو حيّ معذّب في الحياة

تنظر الكائنات فيه أخاها

وهو في ذاته أبو الكائنات

ساخراً يطقعُ الحياة ويلقى

مضحِكات الأيام كالمُبكيات

سادِراً والطريقُ شتّى المناحى

وهو في شاغلٍ عن الغايات

يتّقى حين يطمئن وقد ين

تجعُ الغيثَ في سراب الفلاة

يحسَبُ الناس وهو منهم شياها

جهلوا أنّه إله الرعاة

قل له إن قدرت ما أنت في الكو

ن سوى ذرّة من الذرّات

غاية الغَيبِ أن تكون كما أن

تَ سجيناً ما بين ماضٍ وآتِ

ذلك الغيبُ أيّ شيءٍ تراه

ظُلِّل العالمون فيه وتاهوا

أنا لا علمَ لي إذا كان علمي

هو جهلي بكائن لا أراه

كائن كلُّ كائن منه يأتي

وإليه إذا انتهى منتهاه

وصفوه بما أفاءَ عليهم

وهمو يجهلون ما فحواه

وعلى قدر ما يطيقون خافو

ه وراحوا يستمطرون رضاه

ويقول الذي تمرّد منهم

فتساوى ضلاله وهداهُ

ليس إلا أسطورةً ذلك الغي

ب ومالي ولا لغري إله

وهو فوق المحدود إذ هو فوق ال

عقل فالعقل شارد في مداه

وهو البحر والشواطىء والأسما

ك والدرُّ والحصى والمياه

وأنا في محيطه موجةٌ تف

نى فلا يحتفى بها شاطئاه

من ترابٍ أنا وغيري ترابٌ

فخداعٌ ما أشتهى وكذابُ

وهباءٌ ما نلتهُ ولو أنّي

ملك يمناي ما يظلّ السحاب

إن بؤساً أنى ولدت وبُؤسٌ

أن أبَقّى وأن أموت عذاب

لو أراد الذي له الأمر أن نَس

عد ما خان والدَينا الصواب

عصيا أمره وكان يسيراً

أن يطيعا لو لم يجفّ الكتاب

قدَرٌ تنفذُ المشيئة فيه

وقضاءُ كربَّه غلّابُ

لست أنت الذي براك ولا أنت

المريد المقَدِّرُ الوهّاب

فدَع الموجة العتيَّة تُجري

كَ كما شاءَ بحرُها الصخاب

لا تقُل لَيتني وقد نفذ الس

م فما ينفعُ العطاش السراب

وارض بالجدِّ فالسعادةُ وهمٌ

أزليٌّ ودعوة لا تُجاب

كم تمنّيتُ للمُنى أن تكونا

وتمثّلتُها لجَدبى عيونا

لم تكن هذه المنى لي لو كا

نت فإني وهبتُها البائسينا

بين جنيَّ خافِقٌ بعثَرُ العم

رَ دموعا على الورى وأنينا

أنا للناس قد خلِقت فما أر

جو لنفسي إلا الذي يفضلونا

ولقد أسكبُ الدموع لبلوا

هم وهم في مناحتي ضاحكونا

ربّما فوّقوا السهام لقتلى

فرَأَوني أُبارِكُ القاتلينا

غير أني أحبّهم وأُرَجّى

لهم الخير والهدى واليقينا

وأراهم كأنّهم في وجودي

خطراتٌ تأبى عليّ السكونا

فلهم ما أقول من ملهم الشعر

طروباً أو ثائراً أو حزينا

فليُغنّوا به فما هو إلا

بعض ما يشعرون أو يُلهمونا