مزجت مصر دمعها بدمائه

مزجت مصرُ دمعها بدمائه

وتهاوَت تبكيه في برحائِه

لهف نفسي عليهما وهي تبكي

وهو يشرى بقاءها بفنائه

كبرت نفسُه الكريمة أن يح

يا حياة الجريح في كبريائه

فأسرّت إليه أن حطّم القي

دَ وطهّر سناك من ظلمائه

فأجاب النداء لبّيك يا مص

ر وللصوت رجفة في دمائه

وتعالى إلى السماء شهيداً

جلّ هذا الشهيد في عليائه

أكرموا ذكره فقد أكرم الل

هُ ثراهُ بالفيض من آلائه

وأريقوا الدموع طلّاً عليه

وحميما يشوى على أعدائه

إنه في الوجود كالفجر والنو

ر وكالليل في خلود بقائه

إنه في السماء والأرض روحٌ

سرمديٌّ مجوهرٌ بصفائه

طاف بي كالخيال تيّمه الشو

قُ وكالصوت غاب في أصدائه

فترامت على فمي زفراتٌ

ملهماتٌ من حزنه وبكائه

قلت هذا الضياء كان تراباً

أودع اللَهُ فيه سرّ سمائه

كيف حال التراب يا ربّ نوراً

عشيَت أعين الدُنى بسنائه

فتنادت خواطري إنه الزه

ر الذي مات في ربيع روائه

وتناجت سرائري إنه القل

ب الذي خلّدته روح مضائه

إن هذا الضياء ذكرى شهيدٍ

طهّر اللَه قلبه بضيائه

عاش في أرضه غريبا وولّى

كشكاةِ الغريب في حوبائه

عاش في أرضه غريبا كما عا

شَ الأُلى خلّفوه من آبائه

ربّ ليلٍ أفناه يزجى إلى الل

ه ضراعات مسرف في دعائه

قال يا ربّ هذه مصر تشكو

ظلم هذا الدخيل في غاوائه

رب إن الحياة موج عتِيٌّ

زورق النيل في حناياه تائه

نام ملّاحه فألوت به الري

ح وعيّ النوتيّ عن إرسائه

ربّ هذا الوجود من صنع كفي

ك حرمنا من خيره وهنائه

أنت جبّاره لك الحول والقو

ة ميّزت صبحه من مسائه

عاش قومي فيه عبيدا أذّلا

ء لمستعمرٍ حياته كفَنائه

فرّ من طبرُق وبئر حكيم

كالنعام الشريد في بيدائه

ويحه مثّل الصغار جريحا

ولدى البرء ضلّ في طغوائه

جنّ بالنصر فاستطار سفاها

وأحلّ التقتيل في حلفائه

عجب الكون من جماد وحسّ

لجبانٍ زئيره كفنائه

مجرم ظنّنا عبيداً لديه

فهو يرجو الخنوع من أُسرائه

كيف يدمى بناره من أحاطو

ه بعطف الوفيّ في ضرّائه

إنّها قصّة المهانة تتلى

فوق أرض بلاؤُها من بلائه

قصّة الإنكليز في أرض مصر

وهي نبتُ التاريخ منذ ابتدائه

مصر لاكنتُ من بني النيل إن عش

تُ ونيل الخلود يشقى بدائه

وأنا ابن الفلّاح عضّنيَ الفق

رُ بنابٍ أوّاه من بلوائه

وأنا العامل الشقيّ بجهلي

المريضُ المحرومُ من أهوائه

أنا أفنى في مصرَ جوعاً وغري

يتسلّى بتبره وثرائه

أنا أفنى في موطني وعدُوّي

يتلهّى بخمره ونسائه

لا عرفت الحياة إن عشت يوماً

وعدوّي يتيه في خيلائه

ولنهر الخلود في مسمَع الكو

ن شكاةُ المطعونِ في أحشائه

وأنا الشاعر القديرُ بفنّى

أن أرُدَّ الحياة في أشلائِه

يا شباب الجهاد ناداكم الني

لُ فأحيوا أرواحكم بفدائه

إنه النيلُ قلب مصر وأنتم

يا شباب الجهاد من أبنائه

أنصفوه ممّن أحلّوا دماءً

حرّم اللَهُ سفكها في سمائه

ولكُم في الشهيدِ أُسوَةٌ حقٍّ

جلّ هذا الشهيد في عليائه