ما للهداية في العواصم من سبيل

ما للهداية في العواصم من سبيل

إلا إذا لجأ الغريب إلى دليل

عبثاً يبدّد مالهُ وزمانهُ

من سار آونةَ السياحة كالضليل

لا سيما في مثل هذا القطر من

بعد احتلالٍ حكَّم الضيف الدخيل

روح الحضارة في الكنانة قد سرت

كالبرق تقطع بالدقيقة ألف ميل

وثبت بها في رُبع جيلٍ وثبةً

قامت مقام مسيرها في ألف جيل

فالحقُّ يعلو والعدالة أرهفت

عضباً به الظلم القديم غدا قتيل

والخير يطفح والغنى متدفقٌ

والأمن يرفع في ربى روضٍ ظليل

والأرض تُحرثُ والصنائع ترتقي

والتجر مدّ علائقاً مع كل جيل

والنيل يخزن ماؤهُ حتى إذا

شحَّ السحاب بفيضه كان البديل

ومنائر العمران ينطح روقها

رأس السماك ويزدري الهرم الجليل

والغاز يسطع والبخار مسخَّرٌ

والبرق يوحي والكهارب في السبيل

والخلق يهرج والعواجل ركَّضٌ

والجوّ يضحك والقواطر في عويل

وصحائف الاخبار تنقل للنهى

آثار أهل الأرض من قالٍ وقيل

ومعاهد الآداب بالعلم اغتدت

تهدي المواطن كل ذي فضل نبيل

من كل أروع ماجدٍ متفننٍ

سامي التصور زانهُ الخُلق الجميل

كبرت له نفسٌ به عرجت الى

فلك الفخار بمصعد التعب الجزيل

تحدو به نحو العظائم همةٌ

توحي العزائم من شبا الماضي الصقيل

والطرق تُصلحُ والمنازه جمَّةٌ

والغيد تمرح بالمحاسن تستميل

والزَهر زُهرٌ والورود مجامرٌ

والترَب تبرٌ والجداول سلسبيل

مصداحها يشدو على ادواحها

ورياحها تشجيه بالنسم البليل

فتزخرفت وتفوفت وتدبجت

كجنان عدنٍ قد ثوت بجوار نيل

امساؤها اصباحها وشتاؤها

كربيع جلَّق او بلاد الارخبيل

وكذلك السودان أوتي بعثهُ

من بعد ما اودى به الجهل الوبيل

فجرى على متن السراط وهمه

تعويض ما قد فات مذ عهدٍ طويل

فبدَت طلائعُ زهوه ونمائه

وسمت مطالعُ ذلك الشعب الذليل

ولوسف تنظر كيف يصبح ظافراً

بجميع ما يرجوه في زمنٍ قليل

متوقّلاً ذروات عزٍّ باذخٍ

تثوي بهِ في معقل المجد الاثيل

فالانكليز لقد خلا قاموسهم

من قولنا نحن الاعارب مستحيل

ولذاك انت اليومَ اكثر حاجةً

لشراء سِفرٍ لقَّبوه بالدليل

سفرٌ غدا في بابه كنزاً حوى

كل الغنى ولذاك عزَّ عن المثيل