تراتيل المساء الحزين

يا مناجاتي ويا أنسَ وجودي

وانكساراتِ رحيلي.. وصدودي

يا ابتساماتي ويا فرط حنيني

يا كتاباً طويت فيه عهودي

يا خيالاً لم يزل في مهجتي

يتغنى بأمانٍ.. ووعودِ

وحنينٌ سرمديٌ في دمي

نائمٌ يحلم يوماً أن تعودي

***

ذهبت أيامُنا يا طول بؤسي

وشقائي.. وضياعاتي.. ويأسي

وأزيز الريحِ في بيداء نفسٍ

قَحَلت.. واستبدلت ظلاً بشمسِ

والمنايا نظرت لي شزراً

والمنى تضرب لي خمساً بخمسِ

قد شربنا.. فثملنا ساعةً

وتلاشت سكرتي واعتلَّ كأسي

***

حلّقت ذكراك في رحب خيالي

وتراءت ليَ أيامٌ خوالي

نوء حوريةٍ.. وجنة عدنٍ

وثمارٌ شهيةٌ.. ولآلي

وبحارٌ تموج بالموت موجاً

تتلظّى بحرامٍ وحلالِ

أرتوي منكِ ما أشاء.. وأطفي

حرَّ أشواقنا.. ولست أبالي

***

قد تولّت ليلةٌ مرت بنا

ومواعيدٌ مضت كنّا هنا

وطيور العشق ترنو حولنا

والحمامات تغنّي لحننا

وعيون الليل تخفي سرَّنا

وأنينٌ خافتٌ يفضحنا

ذهبت لم يبق من شيءٍ لنا

ذهبت.. لم يبق منها غيرنا

***

قد تجليّتِ في المدى مثل ديمٍ

وخطفتِ القلبَ الحزين اليتيمَ

بسمةً كنتِ في الوجود كمصبـ

ـاحٍ ينير الأفقَ التعيس العتيمَ

أينَ يا حلوة الطيوفِ ارتحلتِ

وأذقتِ الحشا عذاباً أليما

إن يكن بعد جفوك المرُّ وصلٌ

فلقد تُعقِب النجومُ سديما

***

يا من تناجيني إذا طال السهر

وتردُّ في قلبي أناشيد الصِّغَر

يا من صباي نما على أغصانها

وعلى سنابلها تواردت الفِكَر

قد شاب قلبي في هواكِ مسافراً

وتجاوزتنا كل أحلام العُمُر

فمتى، متى تهوي إليكِ قوافلي

ومتى على خدَّيكِ أغفو يا قمر؟