أى لبيب بك لم يخدع

أىُّ لبيبٍ بك لم يُخدَعِ

وأيُّ عين فيك لم تدمَعِ

لا أمدح اليأسَ ولكنه

أرْوحُ للنفس من المطمعِ

أفلحَ من أبصرَ عُشْبَ المنَى

يُرَعى فلم يَرْعَ ولم يرتَعِ

يا ليتَ أنِّى قبلَ وَقْر الهوى

أذِنتُ للعذل على مسمعى

هل ما مضَى من عيشةٍ راجعٌ

والخُلفُ كلُّ الخلف في المرجِعِ

وأين بدورٌ من بنى دارمٍ

تبخل أن تُسفر من مطلِع

لا في سِرَار الشهر تبدو لنا

ولا الليالي العشر والأربعِ

لو لم تكن أعينُهم أسهما

ما خرَقَت في جانب البرقعِ

كيف تَخَطَّينَ إلى مَقتلى

وما درَى تُرسى ولا أدرعى

أودعُتهم قلبى وما خِلتُهم

يسحسنون الغدرَ بالمودعِ

صار بأيديهم وحاكمتهم

فالحقُّ حقىّ وأنا المدّعى

لو زرانى طيفُهمُ ما درى

من الضنا أنىَ في مضجعى

أقول للرّكبان قد أزمعوا

حجاًّ إلى الأطلال والأربُعِ

لَبُّوا بذكرِى في عقيق الحمى

وذلك المصطافِ والمَربعَ

وأخبروا عنّى بما شئتُمُ

فإنه دون الجوى الموجِعِ

دَرَّتْ على مرعاهُمُ ديمةٌ

تحنو على أطفاله الرُّضَّعِ

غرّاءُ لو يَنُبتُ شَعْرٌ بها

لأنبتت في جبهةِ الأقرعِ

كلُّ سحابٍ أمطرتْ أرضَهم

حاملةٌ للماء من أدمعى

وكلّ ريحٍ أزعجت تُربهم

فإنها الزفرةُ من أضلعى

أتشفع الخمسون لي عندَهم

هيهاتَ والعشرون لم تَشفعِ

إن أمطرتْ عيناى سُحبْا فعن

بوارقٍ في مَفرِقَى لُمَّعِ

تُريد عُمْرا وشبابا معاً

أشياءُ للإنسان لم تُجمَعِ

سيَّان عند الغانيات اكتسَى

رأسُ الفتى بشيبه أم نُعِى

يُصبَغُ رأسُ الدهر من ليلهِ

وصبحهِ بالجَوْنِ والأسفعِ

نوائبٌ أضعافُ عدِّ الحصى

تجَمعُ بين الضّبّ والضِّفْدَعِ

تصطلُم العفراءَ في قفرها

وتفجأ العذراءَ في المخدَعِ

كم مرَّ بى من صَرفه حاصبٌ

لو مرَّ بالوَرقاء لم تسجعِ

رفعتُ من أمواجه منِكبى

حيث يشير الجون بالإصبعِ

من لم يخُض غَمرتَها لم يشِدْ

قواعدَ المجد ولم يرفَعِ

دون المعالي مرتقىً شاهق

فِطرْ إلى ذِروتِه أوقَعِ

قل للصعاليك أرى دينَكم

دِينى ودِينَ الأسَد الأفدعِ

إمّا قَرىَ بُرثُنُه نابَهُ

أو ماتَ طيَّانَ ولم يَصرَعِ

متى أراكم كذئابِ الغضا

شمننَ ريح المَعِزِ الرُّتَّعِ

في فتيةٍ أكثرُ تهويمهم

إسناد هاماتٍ إلى أذُرعِ

إن عرَّسوا لم يعِقلوا إبْلَهم

إلا بوفراتٍ مع الأنُسعِ

مثل نجوم الليل يُهدَى بهم

من ضلَّ في الدَّيمومةِ البلقَعِ

يخضِبُ ايديهم نجيع الطُّلَى

إن خضَبَ الأقوامُ بالأَيدعِ

قلتُ وهم من نَشواتِ الكرى

موائلٌ كالسُّجَّد الرّكَّعِ

حُثُّوا مطاياكم فكم غاية

قد بُلَغَتْ بالأينق الظُّلّعِ

وادعوا أبا سعدٍ يساعِدْكُمُ

مثلَ سنانِ الأسمرِ المشرَعِ

باعٌ طويلٌ ويدٌ طَلقةٌ

ومنطق يختال في المجمعِ

إذا ارتقتْ أقلامهُ كفَّه

تهزّأت بالخاطبِ المِصقَعِ

غُدرانهُ بالفضل مملوءةٌ

متى يَرِدْها حائمٌ ينقَعِ

يكشِفُ منه الفَرُّ عن قارحٍ

قد أحرز السبق ولم يُخدَعِ

ليس جمالُ المرءِ في بُردِه

جمالُه في الحسَب الأرفعِ

يشير إيماءً إليه الورى

إن قيل منَ يُعرَفُ بالأرَوعِ

يربك ما ضَمَّت جلابيبُه

محاسنَ العالَم في مَوضعِ

يُوكَسُ من لا أدبٌ عنده

وكْس الدنانيرِ ولم تُطبعِ

أيا أخي والودّ أرحامهُ

إن تُقطَع الأرحامُ لم تُقطعِ

ما بيننا من أدبٍ جامع

أقربُ من والدةٍ مُرِضعِ

لُبانةٌ لي هي إن تَقِضها

صنيعةٌ في موضع المصنعِ

ورائدٌ مثلَك مستودِعٌ

أهليه في أحفظِ مستودَعِ

ألا ابلغا عنّى الذي شكره

صريرُ رحِل الراكب المُوضعِ

مَن تَصدرُ الآمالُ قد أُترِعتْ

مَزادُها من حوضهِ المترَعِ

لا خُلَّبٌ بارقُ معروفهِ

ولا سحابُ البيد بالمُقشِعِ

إن أنتَ شبَهتَ به غيرَه

سوَّيت بين النَّبع والخِروَعِ

ما بالُ أعدائىَ ملَّكتَهم

عِنانَ رأس السابحِ الأتلعِ

يرمون حبِّى بحصَى زُورهم

رمىَ جِمارِ الحجّ باليَرمَعِ

كلُّ فمٍ يَنفُثُ بي قولةً

اسلمُ منها لسعةُ الشَّبْدَعِ

علىَّ صاروا عند نُصحى ولو

عملتُ بالغِشّ لكانوا معي

واستطِف الرأى ليرِجعْ به

من رجَعَ الشمسَ إلى يُوشَعِ

فأنت أهدَى في طريق العلا

من القَطا في اللاحبِ المَهيعِ

واظفرْ بها لو أدركت ثعلبا

أنسته ما يُروَى عن الأصمعى

أمِس رأينا قائلا سامعا

واليوم قد أعوزنا من يعى