اسال من الأجفان عن صدره نهرا

اسالَ منَ الأجفانِ عَن صَدرِه نَهرا

ليُطفِئَ ما بالقَلبِ مُشتَعِلاً جَمرا

ومِن أدمُعِ الباكي الغَزِيرَةِ ما به

تُخَفَّفُ أحزانٌ قد أقلَقَتِ الصَّدرا

دَعُوا قَطَراتِ الدَّمعِ تَنزِلُ فوقَهُ

فإنِّي بما في مُهجَتي مِنكُم أدرى

فما نَكَدٌ مِثلُ الرُّعاةِ تَراهُمُ

غداً نَهيُهم نَهياَ وأمرُهمُ أمرا

وذا الأرعَنُ المَشدودُ بالحَبلِ نِصفُه

متى ساسَ غيرَ الضَّنِ جَاز به وَعرا

فأصبحَ والشَّكوى إلى اللهِ وحدَه

وما المُرتَجى إلاَّهُ أن يَكشِفَ الضُرَّا

يَسوسُ بِفاسٍ مِن بَنيه كِرامَهُم

فَيقلِبُهُم بَطناً ويَجلِدُهُم ظَهرا

مُصابٌ نَشَدَت الصبرَ عندَ هُجومِه

فَفَارَقَني صَبري يُرَدِّدُ لا صَبرا

مَصابٌ جَسيمٌ يا كرامُ بِحَقِّكُم

خُذوا شَطرَه إنِّي اغتَصَبتُ لكم شَطرا

وإن كنتُ أدري أنَّ بين ضُلوعِكُم

كُبوداً حِراراً دونَها كَبِدي الحَرَّى

وزادكَمُ هَولَ المُصابِ سَماعُكُم

نِداءَ بَنيكم تَستغيثًُ بِكُم جَهرا

وأربعُة أسرى بُطونَهمُ جَثَوا

بأطرافِهم تبَّت يَداهمُ مِن أسرى

مُصابٌ كذا التاريخُ شاءَ فظاعةً

يُحَدِّثُ عنه الغَيرُ من أُمَمٍ أخرى

أسجنٌ وضَربٌ مُؤلِمٌ وإهَانَةٌ

وزَجرٌ وتَعزير وما اقترَفوا وِزرا

وما ذَنبُهم إلا الشُّعورُ بأنَّهم

أثصيبوا فَصاحُوا من تأَلُّمِهِم جَهرا

فَقُل لكثيفِ الرُّوح هاتيكَ ضَربةٌ

ملايينَ قد أضنَت بِمَغرِبنَا عَشرا

أحَسُّوا جميعاً بالتَأَلُّمِ والضَّنى

وهل يَجهَلُ المَضرُورُ أنَّ ضُرًّا

فمِن صامتٍ لم يَستَطِع وصفَ سُقمِه

ومِن ناطقٍ مِن نُطقِه لم يَجِد صَبرا

سَواكَ الذي صيغَت منَ الرِّجسِ روحُهُ

وقلبُه من صَخرٍ وما أليَنَ الصَّخرا

ستَلقَى منَ الدَّهرِ النَّؤومِ انتباهَةً

إليك فتَدري منه ما حَقه يُدرى

هو الدَّهرُ يَحكي البَحرُ حالَ سُكونِه

إذا طالَ مَدُّ البَحرِ فانتَظِر الجَزرا

وهَبهُم جُناةً أينَ منكَ جَزاؤُهُم

جزاءً وِفاقثا لا خصاصاً ولا وَفرا

فلو ساسَهُم أهلُ السِّياسَةِ والنُّهى

رجالُ فَرنسا ساسةُ العالَمِ الكُبرى

لَمَا ظَفِرُوا مِنهُم بِغَيرِ عَدالةٍ

تُخَوِّلُهُم صَفحاً إذا استَوجَبُوا زَجرا

أيَا زَائِرَي فآسٍ إذا ما مَررتُما

بِسِجنٍ حوَى أبنَاءَهُ خُضَّعاً مُرَّا

فإنَّ بِذاكَ الخِيسِ أُسداً تَذَوَّقوا

طُعومَ حياةِ احُرِّ فاستَعذبوا المُرَّا

وشَقُّوا على عِلمٍ طريقَ زُباهُمُ

فما حُبِسوا قَهراً وإن حُبِسوا قَهرا

حياةُ الفَتى إدراكُ سِرِّ حَياتِه

وما المَوتُ إلا جَهلُه ذلِكَ السِّرَّا

فيُبصِرُ في الظَّلماءِ نورَ بصَيرةٍ

وفي الشهدِ والحلَواءِ يَستَطعِمُ الصَّبرا

وكم من طَليقٍ عاشَ في السِّجنِ عُمرَهُ

وساكنِ سِجنٍ باتَ في عَينِه قَصرا

فَقُل لِصُحاةٍ طالَ بالجَاهِ سُكرُهُم

هُوَ الغَدُ لا يُبقي بِرَأسِكُم سُكرا

أحَقًّا بني فاسِ بأنَّ بَنيكُمُ

لَقَوا من صُروفِ الدَّهرِ ما أغضَبَ الدَّهرا

مُصابٌ كما شاءَت شَقَاوَةُ أهلِهِ

وخَطبٌ كما شاءت جسامَتُهُ الكُبرى

فما اكتََنَز الوادي جَواهِرَهُ عَدا

لِيَنظِمَها دَمعاً فَيَنثُرُها نَثرا

وقَبلاً خَريرُ الماءُ ما تَسمَعونَه

والآنَ اسمَعوا صارَ الخَريرُ بُكاً مُرَّا

فًَصَبراً جميلاً يا ابنَ فاسٍ عَنِ الرَّدى

فحَقُّكَ في الدنياءِ يُقضى وفِي الأخرُى

سَيلقَى مِنَ الدَّيَّانِ ما هو أهلُه

وبالخِزي في الدُّنيا سَتبقى له الذِّكرى

ويدفَعُ للأيَّامِ جُلَّ حِسابِها

إذا رَنَتِ الأيّام يَوماً له شَزرَا