ثلاث شهور بل ثلاث دهور

ثلاثُ شهورٍ بل ثَلاثُ دهور

مَرَرنَ على قلبي أشَدَّ مُرورِ

ثلاثُ شهورٍ لِلفراقِ كثيرةٌ

خُصوصاً من الباشا التهاميِّ نُوري

فَقدتُ بها أُنسي وَبهجةَ خاطري

ورَيحانَ روحي مُتعةً وسُروري

وكيف ومَن يَدري سِواهُ مَكانتي

ويُعِدُني في غَيبتي وحُضوري

ومُنتَشِلي إن كَشَّرَ الدَّهرُ نابَه

ومُعتصَمي في كُربَتي ومُجيري

وقبلَ النَّدى يلقاكَ بالبِشرِ وجهُه

وتِرحابُه يجلو فُؤادَ حَسيرِ

وهِمَّتُه الشَّمَّاءُ في حُسنِ خُلقِه

حَكَت هَضبةً مُفتَرَّةً عن زُهورِ

فكيف أُطيقُ الصبرَ بعدَ فِراقِه

وأرنو بِطَرفٍ للِزَّمانِ قَريرِ

نعم كانَ لي كلٌّ العَزا في سَليلهِ

سَمِىٍِّ خليلِ اللهِ شَمسِ بُدورِ

تَرسَّمَ منه الخطوَ يَقفوه سائِراً

على نهجِه أكرِم به من مَسيرِ

تَقَفَّاهُ في كَسبِ المَكارمِ والعُلى

فَلِلَّهِ شِبلٌ مُقتَفٍ لِهصَورِ

فمَجدٌ وجودٌ واقتِدارٌ وحكمةٌ

وحزمٌ وعَزمٌ واكتِناهُ خَبيرِ

إلى أن بَدا لِلنَّاسِ كالشَّمسِ قَدرُه

وفاح له ذِكرٌ كَنَشرِ عَبيرِ

فأسعِد به وابشِر بها مِن بُنُوَّةٍ

فإنىَ بالبُشرى لَخَيرُ بَشيرِ

فلا يَعرفُ الأكفاءَ لِلمدحِ والثَّنا

شِوى شاعرٍ والشِّعرُ فيضُ شُعوري

قَدَ أثنى عليهِ شاهداً ومؤَيِّدا

عظيمٌ بِجَمعٍ كان ثَمَّ غَفَيرِ

وإنَّ شهاداتِ العظيمِ عظيمةٌ

وأكرمِ بمدحِ كابرٍ لِكَبيرِ

ونالَ وِسامَ الفَخرِ والفَخرُ ها هنا

لِمَن ضَمَّ صَدراً من أجَلِّ صُدورِ

فأسعِد به وابشِر أُكرِّرُ ثَانياً

فإنِّيَ بِالبُشرى أجَلُّ بَشيرِ

أمولاي يا فخرَ الأفارقةِ الذي

به عَصرُه باهى جَميعَ عُصور

إذا غبتَ تَشتاقُ الورى منكَ طلعةً

كغَيثٍ لِمَحلٍ يَرتَجيهِ غَزيرِ

نعم إن يَطُل منكَ الغيابُ فإنَّه

أتى بِصدىً يَبقى بقاءَ دُهورِ

فأيُّ بِلادٍ قد حَلَلتَ بِرَبعِها

وأقطابُها لم تَستَبقِ لِحُضور

ولاقيتَ من عزٍّ منيعٍ وحُظوة

ورِفعَةِ جاهٍ وابتِسامِ ثُغورِ

وما كِلمَةٌ قد قُلتَ إلا تَسارَعَت

إلى نَقلِها صُحفٌ وصوتُ أثيرِ

إذا حَسُنَت من باطنِ المَرءِ نِيَّةٌ

أعانَهُ ربِّي في جَميعِ الأُمورِ

وها أنتَ بعد البينِ أنعشتَ روحَنا

فَشُكراًُ لِمَوانا أجَّلَ شُكورِ

وحَمراؤُكَ المُشتاقُ لُقياكَ أهلُها

حلَلتَ بها أعظِم به من حُبورِ

فأمَّ حِماكَ الكُلُّ بِالبشرِ طافِحاً

تَخَالُه نَشواناً لِفَرطِ سُرورِ

فَدُم لي ودُم لِلمُخلِصينَ جَميعهم

بِعَيشٍ على مرِّ الزَّمان غَضيرِ

وعَفواً عن التَّقصيرِ منِّي فَوصفُكم

تَضيقُ قَوافٍ عنه قبلَ بُحورِ

نعم إن دنا يومُ الفخارِ بِشَاعِرٍ

فَكُن بابنِ إبراهيمَ جِدَّ فخَورِ