إياك في الشرق أن تعدو طرابلسا

إِيّاكَ في الشَرقِ أَن تَعدو طَرابُلساً

إِن كُنتَ تَبغي كِرامِ الإِنسِ وَالأُنسا

وَحَجَّ مِنها لِقَصادِ الهُدى حَرَما

أَمناً وَجاوَرَ لِأَربابِ النُهى قُدسا

مَدينَةٌ جادَها الباري بِرَحمَتِهِ

مِنَ الخَصائِصِ ما عَن غَيرِها حَبسا

لَم يَكفِها بَحرَها العَجاجُ باتَت طَرابُلسُ

مِصراً يَقصِرُ عَنها كُلَّ ما يَبسا

ناهيكَ بِالرافِعيِينَ الَّذينَ لَهُم

مِنَ المَآثِرِ ما يَستَنطِقُ الخَرَسا

الرافِعينَ مِنَ الأَعلامِ أَرفَعَها

وَالخافِضينَ مِنَ الأَعداءِ ما رَأَسا

لَقَد رَعَوا تَلَعات المَجدِ أَجمَعَها

وَجَدَّدوا مِن دُروسِ العِلمِ ما دَرَسا

وَآثَروا مِن أَيادي الفَضلِ ما قَرَّبتَ

ثِمارَهُ وَمِنَ العَلياءِ ما قَعَسا

ساروا عَلى أَثَرِ الفاروقِ جَدَّهُم

وَلَن يَضِلَّ الَّذي مِن نورِهِ اِقتَبَسا

مِثلَ السُيوفِ المَواضي في ضَرائِبِها

صَفّاً أُقيمَت لِشَرعِ المُصطَفى حَرَسا

وَكُلُّ ذي أَدَبٍ يَبغي الكَمالَ فَمِن

عَبدِ الحَميدِ يَرومُ الأُذُنَ مُلتَمِسا

الشاعِرُ الفَذُّ لَو جاءَت قَريحَتُهُ

تَعارَضَ العارِضُ الهَطّالُ ما اِنبَجَسا

تَغدو عِذاري المَعاني قَيدَ خاطِرِهِ

وَطالَما اِمتَنَعَت عَن غَيرِهِ شُمُسا

مِن مَعدِنٍ كُلُّهُ صافٍ وَلا عَجَبُ

مَن تِلكُمُ النَفسِ نُلقي ذَلِكَ النَفسا

إِنّي أَقولُ وَخَيرَ القَولِ مُجمَلَهُ

لَو جاءَ في عَصرِهِ الكِندِيُّ ما نَبَسا

هَذِهِ طَرابُلسَ الفَيحاءَ حافِلَةٌ

تَختالُ في حُلَلٍّ مِن عيدِهِ وَكُسا

عيدٌ لِخَمسينَ حولاً قَد تُنجِزَها

في خِدمَةِ اللُغَةِ الفُصحى صَباحَ مَسا

وَقَد أَبَتِ غَربَتي أَنّي أَرى وَطَني

وَأَن أُشاهِدَ فيهِ ذَلِكَ العُرُسا