ألا غاد دمع العين إن كنت غاديا

ألا غادِ دمعَ العينِ إنْ كنتَ غاديا

فلستُ ألومُ اليومَ بعدك باكيا

ولو كنتُ لا أخشى دموعاً غزيرةً

تنُمُّ على ما بي كتَمْتُك ما بِيا

وغيرُ لساني ناطقٌ بسريرتي

فلم يُنجِني أنّي ملكتُ لسانِيا

أَعِنِّي على شَجْوي بشجوٍ مضاعفٍ

ولا تدنِني قلباً من الحزنِ خاليا

ولا تُسْلِنِي عمّنْ رُزِئْتُ وإنْ تُرِدْ

مساعفتي في الرُّزءِ لم تك ساليا

إذا صاحبي أضحى وبي مثلُ ما به

غداةَ تلاقينا أطَلْنا التَّشاكِيا

يَلومُ المُعافى وهو خِلوٌ من الأذى

ولم يَعْنِهِ من أمره ما عنانِيا

وَلو كان ما بي من هوىً لمُحَجَّبٍ

أقام على هجري أطَعْتُ اللّواحيا

وَهمٌّ عراني من أخٍ عَصَفَتْ به

صُروفُ اللّيالي ليتَه ما عَرانيا

فقرّبَ منّي كلَّ ما كان شاحطاً

وَبَعّد منّي كلَّ ما كان دانيا

وَقُلتُ لِمَنْ أَلقى إِليَّ نعيَّهُ

على الكُرْهِ منّي لا أبا لك ناعيا

هَتَفْتَ إلى قلبي بفقد محمّدٍ

فغادَرْتَ أيّامي عليَّ ليالِيا

ولمّا تباكينا عليه وعُرِّيَتْ

طَماعتُنا منه شَأَوْتُ البَواكيا

فقلْ لأُناسٍ أمكنوا من أديمهمْ

بما ركبوا منه هناكَ العَواريا

خذوها كما شاء العقوقُ عَضيهةً

وجرّوا بها حتّى المماتِ المخازيا

ولا تَرْحَضوها بالمعاذير عنكُمُ

فَلَن تُخفِيَ الأقوالُ ما كان باديا

ألُؤْماً مبيناً للعوين وأنتُمُ

تعدّون عِرْقاً في الأكارم خافياً

فلو كنتُمُ منهُ كما قيل فيكمُ

لَكَفْكَفْتُمُ عنه سيوفاً نَوابيا

خطَوْتُمْ إليه بالحِمامِ ذِمامَكمْ

فأَنَّى ولم تخطوا إليه العواليا

أفي الحقِّ أَن تَعدوا عليه ولم يكنْ

على مثلكمْ ما غَدَرَ النّاسُ عاديا

فَما نَفعُكم إنْ نِلتُمُ منه غِيلَةً

وما ضرَّه أنْ زَلَّ في التُّرْبِ هاويا

فَتكتُم به غَدْراً فألّا وكفُّهُ

تُقَلِّبُ مَسنونَ الغِرارَيْنِ ماضيا

على قارحٍ مثلِ العَلاةِ وتارةً

تراه كسرْحانِ البسيطةِ عادِيا

ملكتمْ عليه مِنَّةً لو نهضتُمُ

إلى كَسْبِها نِلتُمْ بذاك الأمانِيا

ولكنّكم ضيّعتموه شَقاوةً

فكنتُمْ كمُهرِيقِ الإداوةِ صادِيا

وهوّن وَجْدي أَنّ قتلاً أراحَهُ

ولم يتحمّلْ للِّئامِ الأياديا

فيا لَيتَ أنّي يوم ذاك شَهِدتُهُ

فدافعتُ عنه باليدين الأعاديا

وروّيتُ من ماء التّرائبِ والطُّلى

من الغادِرين صَعْدَتي وسِنانِيا

بَني مَزْيَدٍ لا تقتلوا بأخيكُمُ

من القومِ خَوّارَ الأنابيبِ خاويا

وَإِنْ تثأَروا فالثّأْرُ بالحيِّ كلِّهِ

وما ذاك من داءِ الرّزيّةِ شافيا

ألا قوّضوا تلك الخيامَ على الرُّبا

وكُبّوا جِفاناً للقِرى ومَقارِيا

وجُزّوا رقابَ الخيلِ حولَ قبابهِ

فلستُ براضٍ أنْ تجزّوا النّواصيا

وحُثّوا عويلَ النّادباتِ وأبرزوا

إليهنّ عُوناً منكمُ وعَذارِيا

ولا تسكنوا تلك المغانِيَ بعده

فقد أوحَشَتْ تلك المغاني مَغانِيا

وَلَولا الّذي أَبقى لنا اللَّهُ بعده

بمَثْوى عليٍّ لاِفتَقدنا المعاليا

هَوى كوكبٌ وَالبدرُ في الأفقِ طالعٌ

فما ضرّ مُرتاداً ولا ضلَّ ساريا

إذا طعنوا لَزّوا الكُلى في نحورها

وإنْ ضربوا قدّوا الطُلى والتَّراقِيا

بِداراً إلى السَّرحِ المُفيء بقفرةٍ

فَقد هاج راعي السَّرْحِ أُسْداً ضواريا

ولا تَتَعمَّد جانِيَ القومِ منهمُ

فكلُّ اِمرئٍ في الحيِّ أصبح جانيا

سقَى اللَّهُ قبراً حلّ غربيَّ واسطٍ

ولا زال من نَوْءِ السَّماكَيْن حاليا

ولا بَرحت غُرُّ السّحائبِ تُرْبَهُ

تُنشِّرُ حَوْذاناً به وأقاحيا

تَعزَّ اِبنَ حَمْدٍ فالمصائبُ جَمّةٌ

يُصِبْنَ عدوّاً أوْ يُصِبْنَ مصافيا

وَهَلْ نَحن في الأيّامِ إلّا معاشرٌ

نُقضّي ديوناً أوْ نردّ عواريا

أجِلْ في الورى طَرْفاً فإنّك مبصرٌ

قبوراً مُثولاً أوْ دياراً خواليا

وداءُ الرّدى في النّاسِ أعيا دواءُهُ

فلا تشكُ داءً أوْ تصيبَ مُداويا

إِذا شئتَ أنْ تَلْقى مُنى العيش كلِّه

فَكُنْ بالّذي يَقضي به اللّهُ راضِيا

وكيف أُعاطيك العَزاءَ وإنّما

مُصابُك فيه يا اِبنَ حَمْدٍ مصابيا

وَلَست أُبالِي مَن مَضى من أصادِقِي

إذا كنتَ لِي وُقِّيتُ فَقْدَك باقيا