في مثلها يستثار الصبر والجلد

في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ

وعندها يَتقاضى الحزمُ ما يَجِدُ

وَما الرزيَّةُ إلّا أَنْ تُلِمَّ بنا

وَنَحنُ لاهونَ عنها غُفَّلٌ بُعُدُ

مثلُ السّوامِ رَعَى في أرض مَضْيَعةٍ

نامَ المُسِيمُ بِها وَاِستَيقظَ الأسدُ

تَمشي الضَّراءَ وهامٌ لا تُخَمِرُّها

محلّقٌ فوقهنّ العارِضُ البَرَدُ

وإنّما المرءُ في الأيّامِ مُحتَبَسٌ

على المنيّةِ تأتيهِ ومُقتَعَدُ

يَسعى وَلَم يسعَ إلّا نَحوَ حُفرتِهِ

يخالُ معتمداً أو كيف يعتمدُ

جاب البلادَ وعدّى عن مصارعِهِ

فَاِختطّ مَصرعَه مِنْ بينها بَلدُ

وَكَيف يَنجو حِبالاتِ الرّدى رجلٌ

مُستَجمعٌ للمنايا بعده بَدَدُ

وَقَد عَلِمنا بِأنّا مَعشرٌ أُكُلٌ

للموتِ نُوجَدُ أحياناً ونُفتَقَدُ

يَرتاحُ نحوَ غدٍ من غفلةٍ أبداً

مَنْ ليس يدرِي بما تجنِي عليهِ غَدُ

كَم ذا فَقَدنا كراماً لا إِيابَ لهمْ

حُطّوا منَ المَنزلِ الأعلى وَنفتَقِدُ

ذاقَتْ شِفاهُهُمُ طعمَ الرّدى مَقِراً

وَطالَما كانَ يَجري بينها الشَّهَدُ

وَكَم وَرَدْنا وَما تُغْنِي ورادَتنا

إنّا وردنا وأُعْفُوا مُرَّ ما وردوا

لم يُغنِ عنهمْ وقد همّ الحِمامُ بهمْ

ما جَمّعوا لدفاعِ البُؤْسِ وَاِحتَشدوا

وَلَيسَ يُجدِي وَإِنْ أَرْبى بكثرتِهِ

عَلى الفَتى مَدَداً إِذا اِنقَضتْ مُدَدُ

كَأنّهمْ بَعد ما اِمتدَّ الزّمانُ لَهمْ

لِما مَضوا في سبيلِ المَوتِ ما وُلِدوا

فَنَحنُ نَبكي عَلى آثارهمْ جَزَعاً

نَقولُ لا تبعُدوا عنّا وقد بَعُدوا

قُلْ لِلوَزير سواك المرءُ نوقظُهُ

وَسمعَ غيرِكَ يَغشى العَذْلُ والفَنَدُ

حَتّى مَتى أَنتَ فيما فات مُكتئِبٌ

جَنَى الحِمامُ فلا عَقْلٌ ولا قَوَدُ

دَعِ التتبّع للعُمرِ الّذي قطعتْ

عَنه الحياةَ المنايا وَاِنتَهى الأمدُ

ما دُمتَ تطمعُ فيه فَاِحزنَنَّ له

فإنْ يَئِسْتَ فلا حُزْنٌ ولا كَمَدُ

وَاِستبقِ دمعَك لا تذهبْ به سَرَفاً

فمسرفٌ فيه يُضحِي وهو مقتصدُ

وإنْ جَزِعتَ لأَنْ مدّت إليك يدٌ

فبالّذي عشتَ ما مُدّت إليك يَدُ

ومُنيةُ الوالدين الدّهرَ أجمعَهُ

أنْ يكرعا الموتَ حتّى يسلمَ الولَدُ