لقل غناء العتب والمجرم الدهر

لَقَلَّ غَناءُ العتبِ والمجرمُ الدَهرُ

وضلّتْ أمانٍ لا يُبَلَّغُها العُمرُ

لَعَمْرُ العُلا لا ظلتُ طوعَ شكيَّةٍ

وإنْ كان قلبي ما يحلُّ به وِتْرُ

لَكَ اللَّهُ قَلباً ما أقلّ اِكتِراثَهُ

بما يتفادى من تحمّلهِ الصّبرُ

تَمرُّ العطايا لا تكشّف ناجذِي

وتأتي الرّزايا وهْيَ من جَزَعِي صفْرُ

وَسيّانِ عندي ثروَةٌ وخَصاصةٌ

قنوعِيَ إثرائِي وللجزعِ العُسرُ

هَجرتُ فضولَ العيش إلّا أقلَّها

وَفي القومِ من يَطغى على حلمه الوَفْرُ

أَعفّ وأَسبابُ المطامعِ جمّةٌ

وَأَعلم وَالأَلبابُ يخدعها المكرُ

لِكُلِّ زَمانٍ خُطّةٌ من مذاهبي

وأشقى الورى من لا يصرّفه الدّهرُ

وَلَم أَرَ إلّا مَن يهِي عند شدّةٍ

وَيأخذ من وافِي تجلُّدهِ الضّرُّ

صَمَتُّ ولم أصمتْ وفي القول فضلةٌ

وَقلتُ فَلَم يَأنس بِمنطِقيَ الهُجرُ

وَإِنّي قَليلُ الرّيثِ فيما يُريبنِي

لذاك رِكابِي ليس يحظى بها مصرُ

غنيٌّ بنفسي عن عديدي ومعشرِي

وإنِّيَ مَن يُلقى على غيره الفخرُ

وَمَولىً كداءِ القلبِ أَعيا دواؤهُ

يُجشّمُنِي ما لا ينوء به ظَهرُ

طوى عنِّيَ الإنصاف من غير ريبةٍ

وما بِي إلى الأنصاف من أحدٍ فقرُ

ألا ليت شعري هل أرى غير صاحبٍ

عليَّ تلظّى سرُّه ولِي الجَهْرُ

فَما أَمترِي إلّا وَفاءً مُصرَّداً

مَذِيقاً ينادي من جوانبه الغَدْرُ

إِذا ما تَرامتْ بِي سَجايا مخاللٍ

فأهونُ ما ترمِي يدايَ له الهَجْرُ

صَديقك مَن أَرضى مغيبَك قولُهُ

ولم يعرُهُ من فسخ عهدك ما يعرو

أَما وأَبِي ما بتُّ طوعَ مضيمةٍ

وقد عرّفتني نفسها البيضُ والسُّمْرُ

أبيْتُ اِنقِياداً للأنام بحبلهِ

وذاك صنيعٌ يستجيب له الشّكرُ

يودّ رجالٌ أن أهشّ إليهمُ

وَقَلّ عنِ الشّحناءِ ما يَنفَعُ البِشْرُ

وَآنسَ بي مَنْ لا يلين قيادُه

خلائقُ طالتْ أن يطاولها ذِكرُ

وَمِمّا نَفى عَن شِيمتِي الكِبْرَ فيهُمُ

يَقينِي بِأنّ الكُبرَ آفته الكِبرُ

عدِمتُ المنى ما أكدرَ العيشَ عندها

وَلَولا المُنى ما اِستَنجد السَّفَرَ السَّفْرُ

وَمَن عمرتْ دارُ المنى من همومهِ

تَمادى وَربْعُ المجد من مثله قَفْرُ

وَما كَلَفِي بِالعمرِ أَهوى وفورَه

وَعند الفَناء يستوي النَّزْرُ والدَّثْرُ

وَداء الورى حبُّ الحياة وشدَّ ما

تفاقم خطبُ الدّاء ما كان لا يبرُو

بنفسِي مَن لا يقبض اللّومَ سمعُه

ولا يُجتَنى من فرع منطقه عذرُ

جريءٌ إذا ضاق العراك بأهلِه

مليءٌ إذا أكدى من الأملِ الصّدرُ

أحبُّ من الفتيان كلَّ مشيَّعٍ

عصيٍّ فلا نهىٌ عليه ولا أمرُ

يجرّ أمام الرّكب فضلَ قناته

وَلا قَلبَ إلّا قَد تملّكه الذُعْرُ

يَنال الصّدى منه وَيحمِي نِطافهم

حِفاظٌ على الضرّاء مركبُه وعْرُ

وَمُستَوهلٍ لا يألف المجدَ فعلُه

إطاعته باعٌ وغايته فتْرُ

يَمدّ إلى العلياءِ عيناً كليلةً

ويبسط كفّاً ليس يعرفها النّصرُ

متى يشرع الخَطِّيُّ يطلب نحرَه

فكلُّ مكانٍ من جوانبه نحرُ

أقول له والرّعب يصبغ لونَه

وأنفاسُه يهفو بجَرْيَتها البُهْرُ

سَيَعلمُ مَن بِالظّنّ يُحيي رجاءَه

بأنّ مباراتي لآماله قبرُ

وَلِي وَطَرٌ يُنجِي الجيادَ اِدّكارُه

ولم يشقَ منِّي في تذكّرهِ فِكرُ

سَأُعطِي المَطايا ما نَوَتْه إِلى النّوى

فَما عاقَني وَصلٌ ولا راعنِي هَجرُ

إذا ما نَضَتْ أرضُ العراقِ ركابَنا

فَقُلْ لِلمَهارى ثمَّ تعريسُك الحشرُ

لَبِستُ بها البيداءَ وَاللّيل نافرٌ

وَقد كادَ أنْ يَفْترَّ عَن ثغرهِ الفجرُ

وَمال الدّجى يُخفِي عنِ الشرقِ شَخصه

وفي قبضةِ الآفاق من جسمه شطرُ

أقول لصحبي والكرى متردّدٌ

يبدّده همٌّ وينظمه شفْرُ

وقد عطفتْ أيدي الكرى من رقابهمْ

كَما عَطَفتْ أَعطافَ شاربها الخَمرُ

عُيونُ الدّجى أحنى على المجدِ منكُمُ

فما بالها تَرْنو وأجفانُكمْ فتْرُ

سَألتُكمُ باللَّه لا تَتثاقلوا

على عَلَل الآسادِ أو يطلعَ البدرُ

وملمومةٍ يغشى النهارَ غبارُها

لها لَجَبٌ كالرّيح هايجها القَطرُ

حَملنا إليها الموتَ والبيضَ والقنا

بأيدٍ دمُ الأبطال في وقعها هَدْرُ

شَببنا بها نارَ الطّعانِ بفِتْيَةٍ

مساعيرَ يخبو من تلظّيهم الجَمرُ

إِذا اِنتَقموا لَم يطمع العفوُ فيهم

وإنْ صفحوا لم يستفزّهمُ الغِمْرُ

وَما بَعَثوا في مُستطيرٍ عزيمةً

فحاجزها بَرٌّ ولا ذادَها بَحرُ

وَإِنْ تَلقَهمْ قُلّاً لدى كلِّ مطمعٍ

فإنّهمُ في كلِّ نائبةٍ كُثْرُ

أمغريةً باللّوم في سمعِ معرضٍ

دعوتِ شَروداً ما يحيقُ بهِ سِحْرُ

وراءَك إنّي ما تركتُ لباحثٍ

من الدّهر ما يُفضِي إليَّ به سَبْرُ

تُماطلنِي الأزمانُ عن ثَمراتها

وينجحُ فيما يدّعيه بها الغَمْرُ

فيا ليتنِي قصّرتُ طولَ تجاربي

فَلا عيشَ إلّا عَيشُ مَنْ ما له خُبرُ

وأشهدُ لو طالتْ يدُ الحزمِ في الورى

لما درّ للدّنيا على أهلها دَرُّ

ولو شئتُ حلّتْ ربقةُ المال في يدي

ما نفعُ مالٍ دون عورتِه سِترُ

دعِ المالَ يمري دَرَّه كلُّ حاشدٍ

فذُخرُك من كسب المعالي هو الذّخرُ

وَلا تَحسبن مُستسلماً لتِلادِه

طليقاً فأهواءُ التِّلادِ له أسرُ

هَلِ العزُّ إلّا أَن تُرى غَيرَ طالبٍ

طلابُك غُرْمٌ ليس يُخلِفه أجرُ

ولا خيرَ في رِفْدٍ تُمدُّ له يدٌ

وَلا في عطاءٍ يُقتضى عندهُ شكرُ

رَضيتُ وما أرضى بلوغاً لغايةٍ

وَعندَ اِمتداد الضّيم ما يُحمد العِشْرُ

وَهَل مُبهِجي قدرٌ رَضي النَّاسُ مثلَه

إذا كان همَّي لا يحيط به قدرُ

سَقى اللَّه دَهراً لم أطع فيه رِقْبةً

ولم يَنْهَنِي منه ملامٌ ولا زَجْرُ

إِذا اِلتَبَستْ بِي خُطّةٌ فُتّ شأْوَها

كما فوّت الأقذاءَ جانبَه التِّبْرُ

نَصيبُك مِمّا يُكثر النّاسُ ذكرُهُ

ومحصولُه في عَرْضِ أفعالهمْ نَزْرُ

فَلِلمجدِ ما أهوَى البقاءِ وربّما

حباني به عصرٌ ودافعني عصرُ