ما زرت إلا خداعا أيها الساري

ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري

ثمّ اِنقَضيتَ وما قضّيتُ أوطاري

أَنّى يَزور عَلى الظّلماءِ مِنْ شَحَطٍ

مَنْ كانَ صُبْحاً وَقُرباً غيرَ زَوَّارِ

وَلَيسَ يَنفَعُ مَن يُضحِي بمَجْدَبَةٍ

أَنْ باتَ ما بَينَ جنّاتٍ وأنهارِ

قَد زارَني قَبلكَ الشّيبُ المُلِمُّ ضحىً

فما هَشِشْتُ له ما بين زوّاري

وكنتُ أعذرُ نفسي قبل زَوْرتِهِ

فَالآنَ ضاقَتْ عَلى اللّذّاتِ أعذارِي

لَوامِع لَم تكنْ للغيث جاذبةً

وأنجُمٌ لم تُنِرْ للمُدْلِجِ السَّاري

لا مرحباً ببياضٍ لم يكن وَضَحاً

لغُرّةِ الصُّبحِ أو لمعاً لنُوّارِ

أبَعْدَ أنْ سَمَقَتْ في العزِّ أبنيتِي

وجالتِ الأرضَ آثاري وأخباري

ونِلتُ ما ذِيدَ عنه كلُّ مُلتَمِسٍ

عفواً وطامَنْ عنه كلُّ جبّارِ

وداس بي أُفُقَ الجوزاء مُنتعلاً

ما شِيد من فضل أقداري وأخطاري

يَروم شَأوي وقد عزّ اللّحاقُ به

طمّاعةٌ مِن قَصيرِ الخطو عثّارِ

أَضَلَّهُ اللّؤمُ عن ذمِّي وجنّبهُ

خُمولُهُ وَقْعَ أنيابي وأظفاري

وَقَد عَجَمْتُم أنابيبي فلم تجدوا

فيهنّ إلّا صَليباً غيرَ خَوّارِ

وَما نَهَضتمْ بأعباءٍ نهضتُ بها

ولا أحطتمْ بأطرافي وأقطاري

وَلا ضرَبتمْ ونَقْعُ الحَربِ مُلتبِسٌ

في فَيلقٍ كَزُهاءِ اللّيل جرّارِ

لا يبعدِ اللَّهُ أقواماً مضوا سَلَفاً

كانوا على نَبَواتِ الدّهرِ أنصاري

شموسُ دَجني ومقْباسِي على غَسَقٍ

وفي الحَنادِسِ أنواري وأقماري

قومٌ إذا نزلوا داراً على عَجَلٍ

كانوا نزولاً مع النّعمى على الدّارِ

وإن أهَبْتُ بهمْ في يومِ معركةٍ

جاؤوا ولم يمطُلوا عنها بأعذارِ

لا يَرهبونَ سِوى إيلامِ لائمةٍ

وَلا يَخافونَ إلّا جانبَ العارِ

كَأنّهمْ وُلدوا في الحَربِ وَاِرتَضعوا

بسائلٍ من نجيع الطّعن موّارِ

لا يعرفُ المالَ إلّا حين يجعلُهُ

سداً لثلْمٍ وإغناءً لإفقارِ

جِفانُهُ كجوابِي الماءِ فاهقةٌ

وخُلْقُهُ كزلالٍ بينها جارِ

كَم قَد بلغتُ بهمْ في مطلبٍ أَرَبِي

وكم أحذتُ بهمْ من معشرٍ ثاري

وكم جَرَرْتُ حقوفي بعد ما شَحَطَتْ

بنصرهم من لَهاةِ الضّيغمِ الضّاري

المُطعمين على خَصْبٍ ومَسْغَبَةٍ

والمنعمين على عُسرٍ وإيسارِ

طاحوا وما طاح حزني بعدهمْ ونأَوْا

عنّي وما نزحوا من بين أفكاري

رُزِئتُهُم فيدِي من بعدهم صَفِرتْ

من النّفيس وقلبي من هوىً عارِ

وَلَم يَفتهمْ وقَد حازوا الكمال على

كلّ الخَلائق إلّا طولُ أَعمارِ

وَقَد مَررنا بدارٍ بعدهمْ خَشَعَتْ

بعدَ اِعتِلاءٍ وأقْوَتْ بعد أعمارِ