يجد بنا صرف الزمان ونهزل

يَجِدُّ بنا صَرْفُ الزّمان ونهزِلُ

ونُوقَظ بالأحداثِ فيه ونَغْفُلُ

ونغترّ في الدّنيا برَيْثِ إقامةٍ

ألا إنّما ذاك المقيمُ مُرَحَّلُ

يقادُ الفتى قَوْدَ الجنيبِ إلى الرّدى

وما قادَهُ منه المُغارُ المُفَتَّلُ

وما النّاسُ إلّا ظاعنٌ أو مودِّعٌ

ومُستَلَبٌ مستَعجَلٌ أو مؤجِّلُ

فمِن رجلٍ قضّى الحِمامُ ديونَه

وآخرَ يُلوى كلَّ يومٍ ويُمْطَلُ

وأفنيَةٍ إمّا فِناءٌ مُراوَحٌ

مُغادى إليه أو فِناءٌ مُعَطَّلُ

وما هذه الأيّامُ إلّا منازلٌ

إِذا ما قَطعنا منزلاً بان منزلُ

بنو الأرضِ يعلو واحدٌ فوق ظهرها

وآخرُ تعلو هِي عليه فيسفُلُ

تَعاقُبَ سَجْلَيْ ماتحٍ في رَكِيَّةٍ

فسَجْلٌ له يَرقى وآخرُ ينزلُ

فناءٌ مُلِحّ ما يَغبّ جميعَنا

إذا عاش منّا آخِرٌ مات أوّلُ

وقالوا تَمَنَّ العمرَ تحظَ بطولِهِ

فقلت وما يُغني البقاءُ المطوَّلُ

قصيرُ مقامِ المرءِ مثلُ طويلهِ

يَفِيءُ إلى وِرْدِ المَنونِ ويوصِلُ

أَروني الّذي فات الحِمامَ ومن له

إِذا أَمَّهُ المقدارُ ظهرٌ ومَعْقِلُ

وَأَين الّذين اِستَنزلَ الدّهرُ منهمُ

بهاليلَ لمّا أحزنوا العزَّ أسْهَلُوا

تَراهمْ كآسادِ الشّرى في حفيظةٍ

فإنْ سئلوا المعروفَ يوماً تهلّلوا

أُذِيدوا فلم يُغنَوْا ولم يُغنِ عنهُمُ

من الذّائدين ما أنالوا وخوّلوا

ولا أسمرٌ صَدْقُ الكعوبِ عَنَطْنَطٌ

ولا شادخٌ وافي الحِزامِ مُحجَّلُ

وَكم صاحِبٍ لِي كنتُ أكره فقدَهُ

تسلّمه منّي الفَناءُ المعجّلُ

أُبدَّلُ بالإخوانِ ما إِنْ مَلَلْتُهمْ

وبالرّغمِ منّي أنّني أتبدّلُ

مقيمٌ بُمسْتَنِّ الخطوبِ تُعِلّني

أفاويقَ أخلافِ الزّمان وتُنهِلُ

وأُغضي عَلى ما آدَ ظهري كأنّنِي

على حَدَثانِ الدّهرِ عَوْدٌ مُذَلَّلُ

فيا ليتَ أنّي للحوادث صخرةٌ

تُحمَّلُ أثقالَ الخطوبِ فتحملُ

تمرُّ بها الأيّامُ وهي مُلِظَّةٌ

بعلياءَ لا تهفو ولا تَتَزَيَّلُ

ويا ليتَ عندي اليومَ بعضَ تَغَفُّلٍ

فأنعمُ منّا بالحياةِ المغَفَّلُ

أَلا علّلاني بالحياةِ وخادِعا

يقينِي فكلٌّ بالحياةِ معلَّلُ

وقولا لعلّ الدّارَ شَحْطٌ من الرّدى

وعمرُك من أعمار غيرك أطولُ

ولا تَعِدانِي الشَّرَّ قبلَ نزولِهِ

فإنَّ اِنتظارَ الشّرّ أدهى وأعضَلُ

ومُدّا بأسبابِ الحياةِ طَماعتي

فإنّا على الأطماع فيها نُعوِّلُ

وَقودا إليَّ اليومَ ما شئتُ منكما

فإنّا غداً من هذه الدّارِ نُنقَلُ

ودانٍ إلى شِعْبي وقلبي تنازَحَتْ

به في بطونِ الأرضِ غبراءُ مجهلُ

تلفّتُّ أبغِي في الطَّماعةِ عَوْدَه

وهيهات عمَّا في التّرابِ المؤمَّلُ

عَليك اِبنَ يحيى كلَّ يومٍ وليلةٍ

سلامٌ كما شاء المُحَيُّون مُسهِلُ

ولا زال قبرٌ أنتَ فيه موسَّدٌ

يُراحُ بنشر المندليِّ ويوبَلُ

وإنْ جَفَتِ الأنواءُ تُرباً فلم يزلْ

تمرّ به وهو المَجودُ المبلَّلُ

تدرّ عليه كلُّ وطْفاءَ جَوْنةٍ

ويسري إليه البارقُ المتهلِّلُ

ولمّا نعاك النّاعيان تهاطَلَتْ

بوادرُ ما كانتْ لغيرك تهطِلُ

وعالوك قهراً فوق صَهوةِ شَرْجَعٍ

لنا من نواحيه حنينٌ وأزْمَلُ

غداةَ أُديلَ الحزنُ منّا فلم يكنْ

هنالك إلّا مُعْوِلاتٌ ومُعوِلُ

وَلا قلبَ إلّا وهو منك مُكلَّمٌ

وَلا لُبَّ إلّا وهو فيك مُذَهَّلُ

تَقطّع ما بيني وبينك والتّقى

عليك على كرهي ترابٌ وجَنْدَلُ

مجاورَ قومٍ فرّق الموتُ بينهمْ

وأجداثُهمْ في رأي عينٍ تَوَصَّلُ

كأنّهُمُ كانوا عكوفاً ببابِلٍ

فراقَهُمُ منها الرّحيقُ المُسَلْسَلُ

منحتُك قولي حين لا فعلَ في يدي

ويا ليتني فيه أقول وأفعلُ

وليس يردّ الموتَ ما نحن بعده

نروِّي منَ الأشعار أو نتنحّلُ