من لم ترعه صوارم الأحداق

مَنْ لَمْ تَرُعْهُ صَوَارِمُ الأحْدَاقِ

لَمْ يَدْرِ كَيْفَ مَصَارِعُ العُشَّاقِ

إنْ لَمْ تَرُعْكَ وَلَمْ تُشَاهِدْهَا فَسَلْ

بَرْقَ الحِمَى عَنْ قَلْبِيَ الخَفَّاقِ

وَاصْغَ لِتَغْرِيدِ الحَمَامِ وَشَدْوِهِ

يُنْبِئْكَ عَنْ وَجْدِي وَعَنْ أشْوَاقِي

فَبِسُحْبِ دَمُعِي وَالْتِهَابِ جَوَانِحِي

أنْذِرْتُ بِالإغْرَاقِ وَالإحْرَاقِ

وَبِسُهْدِ جَفْنِي وَاكْنِئَابِ حُشَاشَتِي

أرْسِلْتُ لِلْعُشَّاقِ بِالأشْوَاقِ

فَالْحُبُّ دِينِي وَالتَّوَلُّهُ شِرْعَتِي

وَالْوَجُدُ عَهْدِي وَالْهَوَى مِيثَاقِي

والشوقُ طَبْعِي وَالصَّبَابَةُ شِيمَتِي

وَالتَّوْقُ وَصْفِي وَالجَوَى أخْلاقِي

أمُخَلِّفًا جَسَدِي وَسَالِبَ مُهْجَتِي

مَاذا يَضُرُّك لَوْ سَلَبْت البَاقِي

إنِّي وَإنْ أخْفَرْتُ ذِمَّةَ مُهْجَتِي

لَمْ أرْضَ أخْفَرُ ذِمَّةَ المِيثَاقِ

فَعَلاَمَ خَلَّفْتَ الفُؤَادَ مُرَوَّعًا

مَا بَيْن إخَلافٍ إلَي إخْلاقِ

هَبْنِي أسَأتُ فَكُنْ بعبدك مُحْسِنًا

وَاشْفِقْ عَلَى المُهَجَاتِ وَالأرْمَاقِ

أوَ لَمْ تَرِقَّ لِرِقِّ عَبْدٍ عِزُّهُ

أنْ لَمْ تَسُمْهُ بِذِلَّةِ الإعْتَاقِ

دَنِفٌ إذَا ذُكِرَ الوِصَالُ تَمَزَّقَتْ

أحْشَاهُ قَبْلَ تَمَزُّقِ الأطْوَاقِ

يَبْكِي لُيَيْلآتٍ تَقَضَّتْ بِالهَنَا

مَا بَيْنَ تَقْبِيلٍ وَطِيبِ عِنَاقِ

حَيْثُ الغُصُونُ تَمَايَلَتْ أفْنَانُهَا

وَالْتَفَّتِ الأوْرَاقُ بِالأوْرَاقِ

يَا رَاحِلاً عَني وَسَاكِنَ مُهْجَتِي

هَلاَّ أقَمْتَ لَنَا بِقَدْرِ فُوَاقِ

وَرَحِمْتَ إشْفَاقِي عَلَيْك حَنَانَةً

إن الْحَنَانَة شيمةُ الإشْفَاقِ

وَمَنَنْتَ لِي بِالْقُرْبِ مِنْكَ تَكَرُّمًا

فَاللَّهُ حَبَّ مكَارم الأخْلاقِ

يَكْفِيك مِني أنْ أبِيتَ مُعَذَّبا

قَلِق الفُؤَادِ مُسَهَّدَ الأحدَاقِ

أرْعَى النُّجُومَ وَهُنَّ أفْصَحُ مُخْبِرٍ

عَمَّا أقَاسِي فِي الدُّجَى وَألاَقِي

وَأراقِبُ الجوزاء أسألُ قُطْبَهَا

عَنْ ثَالِثِ القَمَرَيْنِ فِي الإشْرَاقِ

وأرَاسلُ الغَيْثَ الهَتُونَ وَبَرْقَهُ

بلظى حَشَايَ وَمَدْمَعِي الرَّقْرَاقِ

وَأطَارحُ القُمْرِيَّ فِي تَغْرِيدِهِ

بِنَوى يَراعِي أوْ بِهَوْلِ سِبَاقِي

وأسَائِلُ الأظعَان والركْبَان عنْ

بدري المُضَلَّلِ فِي دُجَى الآفَاقِ

فَعَسَى بشيرٌ بِاللِّقَا وَلَعَلَّ مَنْ

عَقَدَ الأمُورَ يَمُنُّ بِالإطلاَقِ

أمُعَنِّفِي زَعْمًا بِأنَّكَ نَاصِحٌ

اكْفُفْ فَإنَّكَ رَأسُ كُلّ نِفَاقِ

وَدَعِ التَّعَنُّفَ واطَّرِحْ نصحِي فَمَا

كُلِّفْتَ إسْعَافِي وَلاَ إرْفَاقِي

فَأنَا الَّذِي أوْضَحْتُ مِنْهَاجَ الهَوَى

لِذَوِي نُفُوسٍ بِالْغَرَامِ رِقَاقِ

فَلْيُبْلَغِ الأحْبَابُ عَني أنَّنِي

فَانٍ عَلَى دِينِ الْمَحَبَّةِ بَاقِ

لا أنْثَنِي عَنْ حُبّ مَنْ لَمْ يَثْنِهِ

عِنْدَ الوَدَاعِ تَذلُّل الأشْواقِ

لَوْ كُنْتَ شَاهِدَنَا وَقَدْ حَكَمَ الهوَى

بِفرَاقنَا لَجَزِعْتَ من إشْفَاقِ

وَبَكِيتَ مُشْتَاقاً بَكَى لِبُكَائِهِ

جَفْنُ الغمَامِ بِدَمْعِهِ الرَّقْرَاقِ

وَهِيَ الفُؤَادُ وَطَارَ عَقْلِي عِنْدمَا

جَرَتِ الأمُورُ عَلَى خِلافِ وِفَاقِ

فَجَرَتْ مِنَ الأجْفَانِ حُمْرُ مدَامِعٍ

حَازَتْ بِسَفْحِ الخَدّ فَضْلَ سِبَاقِ

فَبَكَى وَقَالَ أذَاكَ دَمْعٌ أمْ دَمٌ

وَلَرُبَّ دَمْعٍ كَالدّمَا مُهْرَاقِ

فَأجَبْتُهُ وَالدَّمْعُ يُظْهِرُهُ عَلَى

مَا فِي الحَشَا مِنْ شِدَّةِ الإحْرَاقِ

لا تَحْسَبَنَّ الدَّمْعَ فَاضَ وَإنَّمَا

قَلْبِي أذِيب فَسَال مِنْ آفَاقِي

يَا أمَّةَ الأشْوَاقِ هَلْ مِنْ مُسْعِفٍ

يُرْجَى لِدفْعِ حَوادِث الأشْوَاقِ

أمْ هَلْ لِنَار تَلَهُّفِي من مُطْفِىءٍ

أمْ هَلْ لِفَيْضِ مَدَامِعِي من وَاقِ

أمْ هَلْ لأوَّلِ لَوْعَتِي مِنْ آخِرٍ

أمْ هَلْ لِذَاهِبِ مُهْجَتِي مِنْ بَاقِ

أمْ هَلْ لِكَسْرِ حُشَاشَتِي مِنْ جَابِرٍ

أمْ هَلْ لِدَاءِ صبَابَتِي من رَاقِ

أمْ هَلْ لِعَهْدِ المُلْتَقَى مِنْ مَوْعِدٍ

فَلَقَدْ وَهَي جَسَدِي وَشُدَّ وَثَاقِي

آهٍ وَمَا آهٍ بِنَافِعَةٍ وَقَدْ

أزِفَ الفرَاقُ وَلاَت حِين تلاقِ

لَوْ كَانَ يَعْلَمُ خَازِنُ النِّيرَانِ مَا

تَحْتَ الفِرَاقِ مِنَ العَذَابِ البَاقِي

لأذاقَ حِزْبَ الكُفْرِ زَقُّومَ النَوَى

وَإن اسْتَغَاثَ سَقَاهُ كَأسَ فِرَاقِ