أترضون يا أهل بغداذ لي

أَتَرضونَ يا أَهلَ بَغداذَ لي

وَعَنكُم حَديثُ النَدى يُسنَدُ

بِأَنّي أَرحَلُ عَن أَرضِكُم

أَجوبُ البِلادَ وَأَستَرفِدُ

أَلا رَجُلٌ مِنكُم واحِدٌ

يُحَرِّكُهُ المَجدُ وَالسودَدُ

يُقَلِّدُني مِنَّةً يَستَرِقُّ

بِها حُرَّ شُكري وَيَستعبِدُ

وَيَغضَبُ لي غَضبَةً مُرّةً

يَعودُ بِها المُصلِحَ المُفسِدُ

لَقَد شانَني أَدَبي بَينَكُم

كَما شينَ بِاللِحيَةِ الأَمرَدُ

أَما لي مِنكُم سِوى شِعرُهُ

رَقيقٌ وَخاطِرُهُ جَيِّدُ

يَسُرُّكُمُ أَن يُغَنّى

بِهِ وَيُطرِبُكُم أَنَّهُ يُنشَدُ

وَأُقسِمُ أَنَّ رَغيفاً لَدَيَّ

مِن قَولِكُمُ هَيِّداً جَيِّدُ

أَرى البَحرَ مُعتَرِضاً دونَكُم

وَما لي عَلى سيفِهِ مَورِدُ

وَيَبعَدُ خَيرُكُمُ إِن دَنَوتُ

عَنّي وَالشَرُّ لا يَبعَدُ

وَأَشهَدُ في الرَوعِ يَومَ اللِقاءِ

وَإِن قُسِمَ الفَيءُ لا أَشهَدُ

وَأَغرُسُ مَدحي فَلا أَجتَني

وَأَزرَعُ شُكري وَلا أَحصُدُ

أَبيعُ ثَنائي وَكُتبي وَلا يَمُدُّ

إِلَيَّ بِرِفدٍ يَدُ

وَيوسِعني الدَهرُ ظُلماً وَلا

أُعانُ عَليهِ وَلا أُنجَدُ

زَمانٌ يُحَنِّقُني صَرفُهُ

كَأَنَّ حَوادِثَهُ مِبرَدُ

أَما يَنتَبِه لي مِنكُم كَريمٌ

فَيُسعِفَني فيهِ أَو يُسعِدُ

سَأَحتَقِبُ الصَبرَ مُستَأنِياً

لَعَلَّ عَواقِبَهُ تُحمَدُ

وَإِن كَسُدَت سوقُ مَدحي لَكُم

فَسوقُ الدَفاتِرِ لا تَكسُدُ

وَأَرحَلُ عَنكُم إِلى بَلدَةٍ

بِها في الشَدائِدِ مَن يَرفِدُ

أَحِلُّ مَحَلّي مِن أَهلِها

بِفَضلٍ فيها وَلا يُجحَدُ

إِلى بَلدَةٍ لا تَقومُ الخُطوبُ

بِالحُرِّ فيها وَلا تَقعَدُ

فَماءُ السَماحِ بِها لا يَغيضُ

وَريحُ المَكارِمِ لا تَركُدُ

وَلا الأَسَدُ الوَردُ فيها يَموتُ

جوعاً وَلا الكَلبُ يَستَأسِدُ

يُسالِمُ أَيّامُها أَهلَها

فَسَيفُ الخُطوبِ بِها مُغمَدُ

لَحى اللَهُ بِغَداذَ مِن مَوطِنٍ

بِهِ كُلُّ مَكرُمَةٍ تُفقَدُ

هِيَ الدارُ لا ظِلُّ عَيشي بِها

ظَليلٌ وَلا زَمَني أَغيدُ

نَسيمُ الهَوِيِّ بِها بارِدٌ

وَسوقُ القَريضِ بِها أَبرَدُ

وَأَخلاقُ سُكّانِها كَالزُلالِ

وَلَكِنَّ أَيديهِمُ جَلمَدُ

فَكَفُّ العَوارِفُ مَقبوضَةُ البَنانِ

وَوَجهُ النَدى أَربَدُ

وَسُحبُ المَكارِمِ لا تَستَهِلُّ

وَنارُ المَظالِمِ لا تَخمَدُ

يُرى كُلَّ يَومٍ بِها سِفلَةٌ

يَسودُ وَلَمَ يَنمِهِ سودَدُ

يُناضِلُ مِن دونِهِ وَفرُهُ

وَيَخذُلُهُ الأَصلُ وَالمَحتِدُ

وَيُعجِبُهُ طيبُ أَثوابِهِ

وَقَد خَبُثَ الأَصلُ وَالمَولِدُ

يُباري المُلوكَ وَأَفعالُهُ

بِخِسَّةِ آبائِهِ تَشهَدُ

وَيَعنى بِمُبيَضٍّ أَثوابِهِ

وَوَجهُ الزَمانِ بِهِ أَسوَدُ

فَبَينا تَراهُ عَلى حالَةٍ

يَرِقُّ لِرِقَّتِها الحُسَّدُ

إِلى أَن تَراهُ وَقَد أَمَّهُ

الدَواةُ وَمِن خَلفِهِ المُسنَدُ

حَلَلتُ بِها كارِهاً لا أَحُلُّ

إِذا الناسُ حَلّوا وَلا أَعقُدُ

كَما حَلَّ في قَبضَةِ القَرمَطِيِّ

تَحيّاتِهِ الحَجَرُ اّلأَسوَدُ

كَأَنّي لَمّا لَزِمتُ الجُلوسَ

بِأَكنافِها زَمِنٌ مُقعَدُ

يَطولُ المَطالُ عَلى ذِلَّةٍ

وَمِثلي عَلى الضَيمِ لا يَرقُدُ

وَلا لي لِلعَزمِ مِن نَهضَةٍ

يَكونُ سَميري بِها الفَرقَدُ

يَعَضُّ الحَسودُ بِها كَفَّهُ

وَمِثلي عَلى مِثلِها يُحسَدُ