حللت حلول الغيث في البلد المحل

حَلَلتَ حُلولَ الغَيثِ في البَلَدِ المَحلِ

وَإِن جَلَّ ما تولي يَداكَ عَنِ المِثلِ

وَفارَقتَ أَرضَ الشَأمِ لا عَن مَلامَةٍ

وَلا أَنَّ فيها عَن فِراقِكَ ما يُسلي

وَلَكِن لِيَستَشفي البِلادُ وَأَهلُها

بِفَضلِكَ مِن داءِ الجَهالَةِ وَالبُخلِ

فَيَأخُذُ كُلٌّ مِن لِقائِكَ حَظَّهُ

وَما زِلتَ بِالقِسطاسِ تَحكُمُ وَالعَدلِ

وَما كُنتَ إِلّا العارِضَ الجونَ

جَلجَلَت رَواعِدُهُ فَاِنحَلَّ في الحَزنِ وَالسَهلِ

وَقالوا رَسولٌ أَعجَزَتنا صِفاتُهُ

فَقُلتُ صَدَقتُم هَذِهِ صِفَةُ الرُسلِ

جَمالٌ إِلى المَولى الكَمالِ اِنتِسابُهُ

وَبارِعُ فَضلٍ بارِعٍ مِن أَبي الفَضلِ

بِكُم أَيَّدَ اللَهُ المَمالِكَ فَاِغتَدَت

مَوَطَّدَةَ الأَكنافِ مَجموعَةَ الشَملِ

فَمِن سائِسٍ لِلمُلكِ فيها مُدَبِّرٍ

وَمِن عالِمٍ حَبرٍ وَمِن حاكِمٍ عَدلِ

فَلا طَمِعَت ما دُمتُمُ مِن حُماتِها

يَدُ الدَهرِ في طَردٍ لَهُنَّ وَلا وَشلِ

وَعِشتُم لِدَهرٍ أَنتُمُ حَسَناتُهُ

وَمَجدُكُمُ حَليٌ لِأَيّامِهِ العُطلِ

وَأُنشِرَ أَمواتُ المَكارِمِ مِنكُمُ

بِكُلِّ جَوادٍ يُتبِعُ القَولَ بِالفِعلِ

فَأَنتُم بُناةُ المَجدِ بِالبيضِ وَالقَنا

وَأَنتُم وُلاةُ العَقدِ في الناسِ وَالحَلِّ

تُجيرونَ مِن صَرفِ اللَيالي فَجارُكُم

عَزيزٌ إِذا ما الجارُ أُسلِمَ لِلذُلِّ

يَحِلُّ البَعيدُ الدارِ وَالأَهلِ فيكُم

فَيُلهى عَنِ الجيرانِ وَالدارِ وَالأَهلِ

خُلِقتَ أَبا العَباسِ لِلبَأسِ وَالنَدى

وَلِلغارَةِ الشَعواءِ وَالقَولَةِ الفَصلِ

فَنَدعوكَ في الهَيجاءِ ياقاتِلِ العِدى

وَنَدعوكَ في اللَأواءِ يا قاتِلِ المَحلِ

لَقَد ناطَ نورُ الدينِ مِنكَ أُمورَهُ

بِأَغلَبَ شَثنِ الكَفِّ ذي ساعِدٍ عَبلِ

وَأَلقى مَقاليدَ الأُمورِ مُفَوِّضاً

إِلَيكَ فَأَضحى المُلكُ في جانِبٍ بَسلِ

فَقُمتَ بِما حُمِّلتَهُ مِنهُ ناهِضاً

وَقَد ضَعُفَت عَنهُ قُوى الجِلَّةِ البُزلِ

وَحَمَّلَ أَعباءَ الرِسالَةِ ناصِحاً

أَمينَ القُوى خالي الضُلوعِ مِنَ الغِلِّ

تَخَيَّرَهُ أَمضى الأَنامِ عَزيمَةً

وَأَحمَلَهُم يَومَ الكَريهَةِ لِلثِقلِ

تَخَيَّرَ مَنصورَ السَرايا مُؤَيَّداً

خَواطِرُهُ تُملي عَلى الغَيبِ ما يُملي

مَلَكتَ قُلوبَ الناسِ وَدّاً وَرَغبَةً

بِأَخلاقِكَ الحُسنى وَنائِلِكَ الجَزلِ

غَفَرتُ لِدَهري ما جَنَتهُ خُطوبُهُ

بِقُربِكَ وَالأَيّامُ في أَوسَعِ الحِلِّ

وَوَجَّهتُ آمالي إِلَيكَ وَقَلَّما

شَدَدتُ عَلى غَيرِ المُنا قَبلَها رَحلي

فَقَد عِشتُ دَهراً ما تُمَدُّ لِنائِلٍ

يَدايَ وَلا تَسعى إِلى آمِلٍ رِجلي

أَصونُ عَنِ الجُهّالِ شِعري تَرَفُّعاً

وَأُشفِقُ مِن مَدحِ البَخيلِ عَلى فَضلي

فَأَذوي وَلا أُبدي لِخلَّةٍ شِكايَتي

وَأَعيا وَلا أُلقي عَلى أَحَدٍ ثِقلي

حَليماً عَلى صَحوِ الزَمانِ وَسُكرِهِ

وَقوراً عَلى جَدِّ النَوائِبِ وَالهَزلِ

أَبِيّاً عَلى الرَواضِ لا يَستَفِزُّني

ذَواتُ القُدودِ الهيفِ وَالأَعُينِ النُجلِ

فَلا يَملِكُ المُسني العَطِيَّةِ مِقوَدي

وَلا يَطمَعُ البيضُ الرَعابيبُ في وَصلي

وَمالي هَوىً أَسمو إِلَيهِ سِوى العُلى

وَلا سَكَنٌ يُمسي ضَجيعي سِوى الفَضلِ

وَلَولا السَماحُ الشَهرَزورِيُّ لَم تَبِت

عَقائِلُ أَشعاري تُزَفُّ إِلى بَعلِ

وَعِندَ عِمادِ الدينِ لي ما اِقتَرَحتُهُ

عَطاءٌ بِلا مَنٍّ وَوَدٌّ بِلا غِلِّ

هُوَ المَرءُ يُثني عَن كَريمِ نَجارِهِ

شَمائِلُهُ وَالفَرعُ يُثني عَنِ الأَصلِ

طَويلُ نَجادِ السَيفِ في حَومَةِ الوَغى

رَحيبُ مَجالِ الباعِ وَالهَمِّ في الأَزلِ

تَعَرَّضَ لِلجَدوى وَكُلُّ أَخي نَدىً

إِذا هُوَ لَم يُسأَل تَعَرَّضَ لِلبَذلِ

وَحَنَّت إِلى أَن يَبذُلَ العُرفُ كَفَّهُ

كَما حَنَّتِ الأُمُّ الرَقوبُ إِلى الطِفلِ

تَمَلَّ بِها يُصبى الحَليمُ بِحُسنِها

فَلا بانَةَ الوادي وَلا ظَبيَةَ الرَملِ

وَراعِ لَها ما أَسلَفَت مِن مَوَدَّةٍ

وَما أَحكَمَتهُ مِن ذِمامٍ وَمِن إِلِّ

وَلا تَنسَها إِن جَدَّ بَينٌ وَحاذِها

عَلى البُعدِ حَذوَ النَعلِ في الوَدِّ بِالنَعلِ

فَحاشا لِعَهدٍ مِن وَلاءٍ عَقَدتَهُ

بِمَدحِكَ يُمسي وَهوَ مُنجَذِمُ الحَبلِ

وَلا زِلتَ مَرفوعَ العِمادِ لِآمِلٍ

يُرَجّيكَ مَسكوبَ النَدى وَارِفَ الظِلِّ